على طريقة «لا تبوق لا تخاف» أظهرت وزيرة التعليم العالي الكويتية نورية الصبيح في جلسة استجوابها أمام مجلس الأمة الكويتي الأسبوع الماضي مثالا ليت الوزراء يحتذونه فيأخذون درسا من تلك المرأة الكويتية «الحديدية» - كما لقبوها - والتي وقفت عشر ساعات متتالية في منصة الاستجواب، مبدية قدرة فائقة على الرد والتحاور والعرض المنطقي بشكل أبهر نواب المجلس، حتى قررت الكتل الإسلامية فيه - الإخوان والسلف - ألا تقف موقفا إيجابيا من طرح الثقة في الصبيح في الجلسة المرتقبة الأسبوع المقبل.
الصبيح لم تقرر الانسحاب من المعركة. وفضلت المواصلة حتى النهاية. وعلى رغم اختلاف ظروف استجوابها عن ظروف استجواب زميلتها وزيرة الصحة السابقة معصومة المبارك، التي اضطرت لتقديم استقالتها بعد هجوم شرس من قِبل نواب مجلس الأمة الكويتي عليها إثر حريق تعرض له أحد المستشفيات، فإن موقف الصبيح السياسي الشجاع سيُحْفَر طويلا في ذاكرة الكويت ومنطقة الخليج بأسرها.
الصبيح «ما باقت وما خافت». فواجهت الاستجواب بشجاعة؛ لثقتها بأنها لم ترتكب ذنبا أو إثما يمكن أن يجعلها تخجل أو تتوارى خلف أعذار واهية لتهرب من الاستجواب. لم تطلق شعارات رنانة وتدّعي البراءة، لتطلق أيادي أعوانها ومستشاريها وجهازها الإعلامي ليبرر هروبها ويباركه، ويحوله من هزيمة وضيعة إلى نصر برّاق.
الصبيح رسمت درسا ليت وزراءنا ينتبهون إليه، درسا للوزراء الرجال قبل النساء، درسا يعلمهم الثقة بالنفس، والإخلاص في العمل، والتفاني فيه، والتمكن من القدرات والكفاءة التي تجعل المسئول قادرا على محاججة كل من يسأله أو يسائله. وإن كانت المواقف التي يتخذها هذا الوزير أو ذاك جزءا من لعبة سياسية أكبر وأخطر، فعليه على الأقل أن يحاول أن يلعب لعبة «نظيفة». عشر ساعات صمدت فيها الصبيح في وجه اتهامات خطيرة لها بالفساد في وزارتها. عشر ساعات متواصلة واجهت فيها كلبؤة شرسة كل ما وجِّه إليها من اتهامات وأسئلة، في الوقت الذي يخشى فيه بعض الوزراء مواجهة حتى أسئلة النواب أو تعليقاتهم ولو لربع ساعة.
النتيجة أصبح في حكم المؤكد عدم حصول النواب الذين تقدموا بطرح الثقة في الوزيرة الصبيح بهدف إقصائها من منصبها بقوة على الغالبية المطلوبة من الأصوات في جلسة طرح الثقة التي ستعقد الأسبوع المقبل؛ إذ ضمنت الحكومة أصوات التيار الديني الممثل في الحركة الدستورية (الإخوان المسلمين) والتيار السلفي - على رغم معارضتهم الدائمة المرأة - والصبيح تحديدا - ناهيك عن بعض نواب كتلة العمل الشعبي، علاوة على التأييد الكامل من نواب كتلة العمل الوطني (الليبراليين نواب المناطق الداخلية) للوزيرة الصبيح.
وبهذه التشكيلة لن يدعم طرح الثقة في الوزيرة أكثر من 18 صوتا في مجلس الأمة، على حين يحتاج طرح الثقة لتمريره إلى 24 صوتا. وستحضر الحكومة جلسة طرح الثقة هادئة مطمئنة للنتيجة سلفا.
هل هو نصر للصبيح أم للحكومة الكويتية التي لوّحت بحل المجلس فأذعن لها النواب أم للمرأة المجدة المخلصة في أي موقع أم لمفاهيم الشجاعة والثقة أيا كان مصدرها رجلا أو امرأة؟ ربما يكون النصر لكل ما سلف. ولكنه بالتأكيد لن يقف عن حدود ما حصل، وسيُحدِث تغييرا أكيدا في المسيرة السياسية في الكويت، وربما دول الخليج أيضا.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1954 - الجمعة 11 يناير 2008م الموافق 02 محرم 1429هـ