العدد 1952 - الأربعاء 09 يناير 2008م الموافق 30 ذي الحجة 1428هـ

كَامِيْكَازْيَا بُوتُو

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كان بإمكان العام الماضي أن يُغادر هذه الألفيّة من دون أن يُغْرِقَ باكستان والعالم أجمع في دم بينظير ذو القدر علي شاه نوّاز بوتو (21 يونيو/ حزيران 1953 - 27 ديسمبر/ كانون الأول 2007). وعلى رغم أن ذلك العام الذي عفّرته بوتو بدمها قد شَهِدَ ارتحال الكثير من أرباب السياسة والفن فإن تعفيرتها كانت خاصة جدا وعاطفية جدا لأسباب تختلف تفسيراتها كلما هجعت الحوادث، فهي أولا أسباب تعود لشخصية كانت غُرّتها في السياسة من أسفل المقصلة التي أُعدِم منها والدها في أبريل/ نيسان من العام 1979 على يد العسكر، وطوت نهاية حياتها عبر توافق دولي وإقليمي بدأ من واشنطن واستقرّ في لندن وتقوّم في إمارة دبي وانتهى على تراب لياقة باغ بمدينة روالبندي الشمالية، ثانيا فهي مولودة لأم فارسيّة من أصل كردي (نصرت إصفهاني) وخالتها عربية حجازية (ملوك الماحوزي) وبالتالي فالعزاء قد تقاسمته ثلاث قوميات متجاورة داخل وعاء جغرافي ملتهب، وثالثا فهي شيعية المذهب الذي يُدين به أكثر من خمسة وثلاثين مليون باكستاني، كما أن هذا العنوان له من حظوظ الرصد العالمي والإقليمي ما يكفيه بعد احتلال العراق واستلام الائتلاف العراقي الموحّد الحكم فيه، وعلى رغم أن عائلة بوتو العلمانية لم تمارس السياسة من بوابة الدّين الإسلامي فضلا عن المذهب الشيعي؛ فإن لحظات الانعطاف الحاسمة في حياة السياسيين والقادة عادة ما تُبرز الجينات الظاهرة وغير الظاهرة فيهم، إلى الحدّ الذي يلجأ فيه أولئك السياسيون للتمثّل بإحداها مرة وبغيرها مرة أخرى، رابعا فبينظير بوتو هي ضمن نسيج سياسي واجتماعي فريد من نوعه، فباكستان الذي تعاقب على حكمها الغزنيون والغوريون والمماليك والخلجيون وينو تغلق والتيموريون وبنو سيّد والمغول الكبار واللودهيون والصوريون والبريطانيون قد آل الحكم فيها إلى أربعة عشر رئيسا ارتهن غالبيتهم لسطوة العسكر الذي جرّ البلاد إلى حالة سياسية غير مستقرة، وحالة عسكرية متمايزة على رغم أنه أكسبها بعدا استراتيجيا بعد حصولها على القنبلة النووية، التي باتت أزرارها محل قلق الغرب وتعاظم هواجسه من أن تتمكّن القاعدة أو حلفائها داخل وزيرستان من التسلّل إليها. خامسا فإن مقتل بوتو جاء قبل ثلاثة أيام من نهاية عام حافل، فعلى رغم أن هذا العام قد شهد إعدام كل من طه ياسين رمضان الجزراوي وبرزان التكريتي ورحيل معاون النازية السري وقائد شرطة باريس موريس بابون والسناتور الديمقراطي توماس إيغلتون والفيلسوف الفرنسي جان بودرييار والرئيس الأرميني أندرانيك ماركاريان والروسي بوريس يلتسين والصومالي آدم عبدالله عثمان والقس المتطرف جيري فولويل والطيار العسكري الأميركي وقائد الطائرة «إينولا غاي» الذي أسقط القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما اليابانية، فعلى رغم ارتحال كل أولئك فإن توقيت رحيل بوتو كانت له مفاعيله الخاصة.

اليوم لم يعد مفيدا لأبنائها ضمن وعائهم الأسري أن يعرفوا كيف رحلت والدتهم، بقدر حاجتهم إلى أن يتفهّموا مُشكلات بلدهم والأثمان التي يتوجّب على محترفي السياسة فيه أن يدفعوها، أما زوجها الذي قضى في السجون الباكستانية ثمانية أعوام فله الحق في أن يُدرك أن خطأ أمنيا ارتكبته زوجته عندما أصرّت على خروجها من فتحة سقف سيارتها المُصفّحة لتحيّة الجماهير المندفعة كلّفها حياتها التي لم تستمر لأكثر من أربعة وخمسين عاما، وخصوصا هو الآن مُقبل على زعامة حزب الشعب الباكستاني PPP (يسار وسط) بمعيّة إبنه المصدوم، فبلد مثل باكستان من الجنون أن تُحيّد فيه الإجراءات الأمنية مهما كانت الظروف والمشاعر

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1952 - الأربعاء 09 يناير 2008م الموافق 30 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً