العدد 1951 - الثلثاء 08 يناير 2008م الموافق 29 ذي الحجة 1428هـ

الصديقان المتشائمان عمر وحسين

محمد العثمان Mohd.Alothman [at] alwasatnews.com

صديقي العزيز عمر وصل إلى حال يرثى لها. شاب مثقف، مصادر ثقافته كانت القراءة الذاتية. قلّما أدخل معرِضا للكتاب فلا أراه فيه، وقلّما أسأله عن كتاب فلا يجيبني عنه. يعيش عمر - الآن - عزلة ذاتية. فهو محطم لأبلغ مدى للكلمة! لم يبقَ فيه من روح الشباب إلا نظراته التي تعلوها ابتسامة - في بعض الأحيان - غامقة اللون. مزاجه كريه. لا تخرج كلماته السياسية إلا مصحوبة بتعاسة وكآبة خانقتين حد القتل!

اغتصب المجتمع «المطأفن» أحلام عمر ببناء غد وطني جميل. مازال يقبع في إحدى الزوايا المخملية في العدلية. يحاول الانعزال عن الشئون السياسية... كفر بالسياسيين المسيطرين على الساحة المحلية. فهو يرى في هذا العالم المحيط به «سياسيا» عالما يتخبطه الشيطان! مع أنه لا يؤمن بأن أي شيطان بين هؤلاء... فالأصل - لديه - أنهم جميعا شياطين الأنس!

أراه بين الفينة والأخرى في أحد المقاهي الشعبية (السوق المركزي بالمحرق)، عفوي وبسيط، على سجيته... إنه حسين. صديقي القديم، كنا نتبارى أيام الصبا على قطع شوط سباحة ضد التيار ناحية الشمال من جسر المحرق القديم. كان سباحا ماهرا. يجيد السباحة والغوص في أعماق البحر. شجاع لا يهاب ما يستر البحر تحت هدوئه، ينقب في قيعانه الممهدة والمحدبة والمقعرة. كانت مصافحته لي باردة... كل البشر يحملون همومهم خلف ابتساماتهم، هكذا قلت في نفسي. مثقلة حياتهم بديون لم يسددوها، وبذنوب لم يتطهروا منها. هكذا هم البشر على هذه البقعة الصغيرة من العالم.

صارحني حسين قبل أن أسأله: هل يوجد لديك ترياق لهذه الأورام الطائفية التي غزت جسم المجتمع البحريني؟ قلت له: لا. قال: ماذا جرى للناس في البحرين؟ ولم ينتظر إجابتي، وقال: لماذا يأكل الناس بعضهم بعضا؟ أدهشني سؤاله؛ فهو لا يقرأ ولا يكتب ولا شغل له بالفجور السياسي القائم في البلد... كما هو حال صديقي عمر!

أعطيته درسا في العلوم السياسية وإدارة الصراع وطأفنة العمل السياسي في البلد... قاطعني بصوته الجهوري قائلا: «انزين وبعدين؟» وأضاف «لقد قلت ما أنا لست بغافل عنه. أوتظن أننا لا نفقه كيف يدار العمل السياسي؟ أنت الآن تتغنى بالوطنية والشعارات الوطنية وكتبت المقال تلو المقال. وألقيت المحاضرة تلو المحاضرة عن خطورة الطائفية على المجتمعات، فما النتائج؟ أليس الحل مرهونا بيد الدولة؟». قلت: «نعم، جزء من الحل بيدها. والجزء الآخر بيدنا نحن، نحن البحرينيين»!

أيقنت حينها أني أتحدث إلى إنسان قتله التشاؤم من كل شيء! وأيقنت لحظتها أن حسين لا يختلف عن عمر في وجه المعاناة. فذاك المثقف قتله تعاضد شياطين الأنس على حلم بناء غد وطني جميل. وحسين - العفوي والبسيط - قتله حال التناحر الاجتماعي في البحرين. الاثنان مقتولان لا محالة. فالطائفية سيف له أكثر من حد!

إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"

العدد 1951 - الثلثاء 08 يناير 2008م الموافق 29 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً