الكثير يسأل من يثير رحى التأزم في الوطن؟ هل هي المفاهيم وممارسات الثقافات؟ إحدى أبرز هذه التأزمات أو الجدليات الثنائية كجدلية الأصالة والمعاصرة أو المعوقات الثقافية فبدلا من الأخذ بأسباب تقدم المجتمع كالعمل وفقا لأدبيات المجتمع المدني والمكتسبات الديمقراطية وتحرير الاقتصاد.
لقد أسهمت فترة الخروج عن القانون السابقة في إيجاد حال من الإحباط بين المواطنين ولاسيما في ظل النقلات النوعية التي تحققها عدد من الدول الخليجية المجاورة, كما أن هذه الحوادث ساهمت في خلط الأوراق ما بين المهم وتوافه الأمور. إن ثقافة التأزيم التي نعيشها في الوقت الحالي والتي في الأصل حال من الترف السياسي من قبل «مفلسين» لن يحتملها الوطن على الأقل في المستقبل القريب, فما نعيشه من تحول سياسي واجتماعي واقتصادي ورسم الخريطة السياسة الداخلية بين المشارب السياسية المختلفة هي نتيجة جملة من العوامل الإقليمية والمتغيرات الدولية والفوائض المالية كي نبتعد عن المزايدات, ومن باب أولى التركيز على غرس ثقافة جديدة للعمل والإنتاج لا التعدي والخروج على القانون.
بالفترة الأخيرة لا تنتهي أزمة مفتعلة سياسيا في الوطن إلا وتلد أزمة أخرى بسبب أو دون سبب بعذر أو من دون عذر وبقصد أو من دون قصد, حتى أصبحت حياتنا
السياسية قائمة على تفريخ الأزمات من أطراف عدة «مفلسين» ولغايات مختلفة من وراء هذه الأزمات.
والسؤال هل البحرين حديثة الوعي السياسي والديمقراطي حتى لا تستطيع ضبط الإيقاع السياسي في بلد بحجم البحرين؟
أم إن هناك جهة تعمل للتصدي للعمل السياسي البناء من قبل النخبة السياسية وإحراج المعارضة المشاركة بالبرلمان؟
إن المتتبع للحراك السياسي في المملكة اليوم يرى أن هامشا كبيرا إن لم تكن اللعبة السياسية المتمثلة في التأزيم والخارجين على القانون التي ترسم اليوم, والتي لا تخدم مصلحة الوطن في هذه الظروف الأمنية الخطيرة في المنطقة, هو تحرك شخصاني من البعض الذي يدعي نفسه قيادات تسير مراهقين عمريا أو سياسيا, والهدف الرئيسي من ذلك كله هو التأجيج والتأزيم, بغية أهداف سياسية وليدة الحوادث الحاصلة, حيث ما بين فترة وأخرى تصل أزمة, ليدخل التهديد والوعيد ويبدأ مسلسل الاعتصامات والمظاهرات والتخريب والخروج على القانون, وفي الطرف الآخر الحكومة التي تعمل على التهدئة كالعادة وتدخل من باب المساومة والعمل على إيجاد مخرج حتى لا تواجه الشارع من دون أن تتخذ قرارا حاسما بقدر الالتفاف على قراراتها, وكأن الأمر متروك أو معلق على مسألة التهديدات التي تقود البلد إلى الهاوية, والمصيبة الأكبر أن هؤلاء أصبحوا يتوعدون الحكومة من على شاشات التلفزيون بقنوات فضائية مختلفة باللجوء إلى الفوضى لتنفيذ مطالبهم من دون النظر بعين الاعتبار إلى مصلحة الوطن التي أصبحت في آخر حسابات هؤلاء المنظرين الذين طرحهم لايزال يطنطن في آذاننا وعادة ما يدخل في العمل السياسي الذي يعاني جسده من السيطرة الطائفية والقبلية والخلافات والصراعات التي يقف وراءها عادة التأزيم.
على المبررين لهذه الحوادث أن يعلموا أن المتضررين من أهالي مناطق المفتعل فيها الحوادث أكثر من المراهقين الذين قاموا بهذه الأحداث، وأن يستمعوا لصوت العقل ووضع مصلحة الوطن والحفاظ على مقدراته نصب أعينهم وليعلموا أن الهدم أسهل من البناء.
خلاصة القول إن المسئولية مشتركة إذ يمثل المستقبل هاجسا كبيرا لدى صانع القرار في الدوائر الغربية إذ يشغل حيزا كبيرا من قبل المعاهد الاستراتيجية من أجل التكهن بملامح العالم خلال العقود المقبلة, إلا أن التفكير الاستراتيجي في الدول المتقدمة انتقل من حال التكهن بطبيعة المستقبل إلى صناعة المستقبل, وبفعل العولمة وتنوع قوى الاقتصاد فقد أصبحت صناعة المستقبل مهمة عالمية تشترك فيها جميع الدول التي تسعى لأن تكون عنصرا فاعلا في بناء الإنسان ومقدرات الوطن وتؤمن الدول المتقدمة القيادات المستقبلية الكفيلة لصناعة مستقبل يضمن السلم والأمن.
لكن في الوطن نرى خلاف هذا. وهنا نؤكد على السلم والأمن فعلى من يطنطن بالتهديد والوعيد على مقدرات الوطن أن يتقي الله في نفسه ووطنه وعلى الحكومة أن تعيد حساباتها تجاه الحوادث...
وليعلم الجميع أن الهدم أسهل من البناء، وأن شعار الجميع يجب أن يكون «بناء الوطن لا تأزيمه». والله ولي التوفيق.
إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"العدد 1951 - الثلثاء 08 يناير 2008م الموافق 29 ذي الحجة 1428هـ