تقترب إحدى الجمعيات السياسية في البحرين من أن تنتهي من بحث يختص بتدقيق شتى التعيينات الرسمية والتجاوزات الحكومية خلال السنتين الماضيتين فيما يتعلق بملف التمييز على الصعيدين حقوق المواطنة والتعيينات في الوظائف العامة.
التسريبات الأولى لهذا البحث التي اعتمدت على الرصد الميداني والإحصاءات التمثيلية لشتى الشرائح الاجتماعية في البحرين تؤكد انخفاض نسبة التمثيل لإحدى الطوائف (الطائفة الشيعية) في نسبة تمثيلها بالنسبة لوظائف الدولة العليا التي كانت تقدر في العام 2005 بـ 17 في المئة، إلى ما يقارب 7 في المئة فقط مع نهاية العام الماضي 2007.
هذا الانخفاض الحادّ في نسبة التمثيل هذه - وإن كانت تأتي من بحث يحاول طأفنة التعيينات خلاف التوجهات التي تسعى لتمدين الدولة لا طأفنتها في نموذج الدولة الحديثة - تشير من خلال ما تفرضه الدولة سياسيا عبر استخدمها المسطرة الطائفية إلى أن مجمل المطالبات النيابية بفتح ملف التمييز تبدو في محلها، وخصوصا أن هذه الورقة تعتبر الأقوى في الطرح بالنظر لمجمل المتغيرات الإقليمية والدولية مع مناقشة أوضاع حقوق الإنسان في البحرين مطلع أبريل المقبل في أعلى هيئة حقوقية دولية.
الدولة التي قطعت أشواطا مميّزة في ملف حقوق الإنسان فيما يختص بملفات التعذيب - وهي نقطة إيجابية بدأت منذ المشروع الإصلاحي لجلالة الملك - لاتزال متأخرة جدا في هذا الملف الذي لا يقلّ أهمية وخطورة عن باقي الملفات المرتبطة بحقوق الإنسان. وخصوصا أن الكثير من السياسات التمييزية في العديد من أجهزة الدولة لاتزال قائمة، ولا تمثل نتائج هذا البحث إلا دلالة على ازدياد الإخلال بالتناسبية على المسطرة الطائفية التي كانت الدولة نفسها من وضعتها، فالدولة حين قسّمت وزارات الدولة ومناصبها العليا على المسطرة الطائفية والعرقية كانت منذ البدء تؤسس لأكبر أخطائها التاريخية منذ بدء الدولة.
جمعيات المعارضة التي يبدو أنها ستزيد من تركيزها على الملفات الحقوقية خلال الفترة القادمة - نظرا لعديد العوامل التي تصبّ نحو نجاعة هذا الخيار - ستبدأ أحد أهم الحوارات الوطنية المؤجلة، وهو ما يتطلب من الدولة أن تكون على المستوى المأمول من التفاعل والإيجابية، وخصوصا أن سياسة الدولة في «التطنيش» للكثير من الملفات الشائكة جرّت على البلاد الكثير من الأخطاء التي ينتظرها الكثيرون هنا وهناك.
أخيرا، ازدادت فعلا سياسات التمييز في الوظائف العامة في أكثر من جهاز حكومي، وإذا كنا سنستثني الجهاز العسكري لأسباب نعرفها جميعا فإن أجهزة أخرى في الدولة مازالت مغلقة أمام كل فئات الوطن ومقتصرة على مجموعات محددة ضمن إطارات تنظيمية طائفية وإثنية وقبلية. وهو ما يمثل عاملا من عوامل عرقلة التجربة الإصلاحية، وهو ما نحذر منه.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1950 - الإثنين 07 يناير 2008م الموافق 28 ذي الحجة 1428هـ