العدد 195 - الأربعاء 19 مارس 2003م الموافق 15 محرم 1424هـ

محاولة لاستقراء أسباب الحرب من منظور اقتصادي

حرب الألف مليار برميل

حسين محمد المهدي comments [at] alwasatnews.com

إقتصادي بحريني

هناك الكثير من الأسئلة تدور عن الاهداف الحقيقية للحرب؟ وهل ابعادها الاقتصادية لا تقل شأنا ان لم تكن هي الاهم عن اهدافها السياسية المعلنة؟ هل هي حرب لنزع اسلحة الدمار الشامل، ام حرب لنزع ملكية العرب لنحو الف مليار من الاحتياطي من النفط؟ حرب تؤدي إلى تحقيق اهداف استراتيجية نحو السيطرة على اهم مصادر النفط الرخيص والعالي الجودة في العالم، الذي بدوره سيحقق اهدافا سياسية منها اعادة رسم خريطة المنطقة! هل هي حرب اقتصادية تقع ضمن ترتيبات العولمة والنظام الاقتصادي الجديد للعالم؟ وما هي تأثيرات الحرب على الاقتصاديات الخليجية؟ وما تأثيرها على الاقتصاد العربي والعالمي؟ وما هي كلفتها ومن سيتحملها؟ وما هي تداعياتها على اسعار النفط واسعار الصرف واسعار الفائدة والذهب والتأمين، وغيرها من الاسئلة.

ولعل السؤال الاهم: هل الحرب هي حرب نفطية؟ حرب السيطرة على ما مجموعه ألف مليار - أو ترليون - برميل من الاحتياطي النفطي المؤكد والمحتمل الذي تحتويه اراضي منطقة الخليج العربي. وكما حاول الباحث مايكل رينير من معهد وورلد وتش WORLD WATCHالذي ربط بشكل مباشر بين العلاقة بين الشركات النفطية المتعددة الجنسية والمصالح النفطية في المنطقة والحرب على العراق. وقام الباحث بعمل ثلاث دراسات عن الموضوع، نشرت الاولى منها وعنوانها «العراق والعلاقة النفطية» في موقع وورلد وتش في ديسمبر/ كانون الاول 2002، والثانية باسم «نفط رخيص» ونشرت في «هارولد تربيون» الدولية في 17/1/2003، والثالثة «تقرير السياسة» ونشرت في مجلة «السياسة الخارجية» في فبراير/شباط الماضي. وجاء في هذه الدراسات أنه و«باسم الحرب على الارهاب استطاعت أميركا ان توجد لها قواعد عسكرية، ولكن العامل المشترك بين هذه المواقع هو قربها من الأماكن الرئيسية المنتجة للنفط»، وأضاف «ان التدخل الناجح في العراق يعني حصول واشنطن على مكاسب كثيرة، لعل أهمها سيطرتها التامة على أسواق النفط العالمية».

وعلى رغم أننا كثيرا ما نسمع عن أن الهدف الرئيسي للحرب المحتملة على العراق هو محاربة الإرهاب، وانتزاع أسلحة الدمار الشامل والحفاظ على حقوق الإنسان العراقي، لكن القليل القليل ما يقال عن دور النفط في هذه اللعبة، إذ انتهجت إدارة الرئيس جورج بوش الابن سياسة الفم المغلق (tight-lipped) عن خططها لفترة ما بعد حكم الرئيس صدام حسين، وعادة ما كررت هذه الإدارة عدم اهتمامها بالسيطرة على نفط العراق. ولكن على العكس فان الكثير من وسائل الإعلام الأميركية نقلت عن مسئولين في الإدارة الأميركية تصريحهم بالحاجة إلى إطالة أمد الاحتلال للعراق بعد الانتهاء من الحرب وتغيير نظام الحكم فيه، وانهم بذلك سيعملون على إقامة «نظام نفطي جديد» الذي سيكون أمرا واقعا في المنطقة وفي الصناعة النفطية العالمية، من خلال عملية كبيرة لإعادة ترتيب موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط.

العلاقة بين إدارة بوش وصناعة النفط؟

يشير رينير الى ان جذور العلاقة بين إدارة الرئيس بوش وصناعة النفط والغاز تعود الى سنوات طويلة خلت، إذ تربى بوش في احضان ثقافة تكساسية تراوحت بين صناعة الاكتشافات النفطية وانتاجها، كما وان يديه مغلولتان الى عنقه في مصالحها. أما الرجل الثاني في الإدارة نائب الرئيس ديك تشيني، فهو ذلك الشخص الذي اتى الى منصبه الحالي مع حزمة تقاعد مقدرة بعدة ملايين من الدولارات من أموال الصناعة النفطية، بعد ان تقاعد من منصبه كرئيس تنفيذي في شركة هاليبورتون للنفط (Halliburton Oil). وتشمل قائمة المسئولين الكبار في الإدزارة الحالية ممن اتو أيضا من خلفيات اقتصادية نفطية، أمثال وزير الجيش توماس وايت، وكان سابقا نائب رئيس شركة انرون، كذلك وزير التجارة دون اقيناس الذي كان رئيسا سابقا لشركة اكتشافات نفطية تسمي توم براون، والذي بلغت حصته الرئيسية فيها نحو 13 مليار دولار.

ما هي ثوابت سياسة الطاقة الأميركية؟

تنتهج الإدارة الأميركية سياسة للطاقة تعتمد على ثوابت أهمها الزيادة المستمرة في الحصول على نفط رخيص الثمن لتلبية الطلب المتزايد لديها على مصادر طاقة نظيفة ومنخفضة الكلفة وخصوصا مع تحديات العولمة والتنافس المقبل من أوروبا. ولعل النفط العربي عموما والعراقي خصوصا هو ضالة أميركا المنشودة، إذ قدرت الزيادة في حجم الاستهلاك النفطي في أميركا - طبقا لتقرير تشيني للعام 2001 - بنحو أكثر من الثلث خلال العقدين المقبلين مقارنة بتوقعات انخفاض في الإنتاج النفطي الأميركي بحوالي 12 في المئة خلال الفترة نفسها. وعليه سيتعاظم الاعتماد الأميركي على النفط المستورد الذي ارتفع من قرابة ثلث الاستهلاك المحلي في العام 1985 الى أكثر من النصف في الوقت الحالي وسيزيد ليصل الى أكثر من الثلثين في العام 2020. ولعل النفط العربي هو الأكثر استحواذا على العقلية النفطية الأميركية كونه يسيطر على 30 في المئة من انتاج النفط العالمي وأكثر من 40 في المئة من صادرات العالم ونحو 65 في المئة من الاحتياطيات النفطية المؤكدة على وجه الأرض. كما وتوقع تقرير تشيني عن الطاقة الذي صدر في العام 2001، ان يرتفع نصيب دول الخليج الى ما بين 54 - 67 في المئة من صادرات النفط العالمية في 2020.

هل الهدف الحقيقي هو السيطرة على ألف مليار من الاحتياطيات النفطية في الخليج؟

تبلغ اجمالي الاحتياطيات في منطقة الخليج العربي - المؤكدة وشبه المؤكدة والمحتملة - نحو ألف مليار برميل، كما قدرتها مجموعة انتليجنس للطاقة (Energy Intelligence Group) إذ بلغ الاحتياطي المؤكد ما مجموعه 616 مليار برميل أو بنسبة نحو 60 في المئة الى إجمالي الاحتياطي العالمي المؤكد والبالغ 1046 مليار برميل، كان نصيب السعودية 262 مليار برميل والعراق 113 والكويت 97 وإيران 90 والإمارات 54 مليار برميل. وإذا ما اضفنا الى الاحتياطي العراقي المؤكد من النفط، الاحتياطي شبه المؤكد الذي قد يصل الى 220 مليار برميل والاحتياطي المحتمل والمقدر بنحو 100 مليار برميل، فان إجمالي نصيب العراق من الاحتياطي يفوق 433 مليار برميل، وإذا ما أضفنا الى ذلك المواصفات التي يتميز بها النفط العراقي من حيث كونه عالي الجودة ويمكن استخراجه وانتاجه بأقل كلفة وبالتالي زيادة ارباح الشركات النفطية المنتجة المتعددة الجنسية، ما يضع العراق في موضع المنافس القوي للسعودية.

كذلك وطبقا للخبير النفطي فاضل الجلابي فان من شأن اعمال الاصلاح بعد الحرب أن تؤدي الى رفع الطاقة الانتاجية في العراق لتصل الى نحو 8 الى 10 ملايين برميل يوميا وربما تصل الى نحو 12 مقارنة بمستويات مقاربة في السعودية. فلاشك في ان مثل هذه المعطيات النفطية تسيل لها لعاب الكثير من الدول القوية وخصوصا أميركا التي منذ حوادث 11 سبتمبر/أيلول وما أصاب العلاقات السعودية الأميركية بعدها، ما فتئت تبحث عن بديل للنفط السعودي، لإضعاف الوضع التنافسي للأوبك عموما وللسعودية خصوصا، من ناحية، ولجر أسعار النفط الى أدنى مستوى ممكن.

فبعد ما ذكرنا من أرقام ومعلومات أعلاه، هل هناك أدنى شك في أن الحرب لا تهدف الى السيطرة على نحو ألف مليار من النفط الرخيص العالي الجودة

العدد 195 - الأربعاء 19 مارس 2003م الموافق 15 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً