العدد 1940 - الجمعة 28 ديسمبر 2007م الموافق 18 ذي الحجة 1428هـ

أشباح الظلام

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

من خلال التشخيص الحالي للساحة السياسية يتضح أن أشباح الظلام لاتزال تحوم في سماء مملكتنا الغالية؛ فلايزال هناك هموم وأوجاع؛ لاتزال هناك مطاردات ومضايقات؛ ولايزال هناك أنين وضجيج؛ ولايزال هناك مؤشرات فاضحة وفاقعة للتمييز بكل أنواعه؛ ومازال هناك جرح غائر في الأعماق يسمى التمييز الطائفي تارة والعرقي تارة أخرى والطبقي أحيانا وأحيانا تمييزا سلبيا ضد المرأة.

لعل أخطرها على الإطلاق التمييز الطائفي الصارخ الذي نشهده ومبتلون به، ولا يكاد يسلم منه بيت، فالتمييز في معظم الوزارات، وإن كانت هناك وزارات بلا تسمية تفوح منها رائحة التمييز الطائفي البغيض هناك حيث الأشباح تقف على أبواب المغارات تمنع المارة الولوج إلى حيث المغارة حتى إن كانت عابرة سبيل لن تدوم طويلا.

الأوجاع موجودة حيثما تطأ قدماك ولكن يزيد عند البعض ويقل عند غيرها، وإن المشكلة تأخذ في التفاقم والاتساع بشكل متسارع الآن لصالح المجنسين. ثمة هناك أشباح أخرى تطارد الشرفاء وأصحاب الكفاءات، تمييز يحمي أصحاب المصالح والمفسدين وأصحاب النفوذ. فبحسب المشاهدات الواقعية يتضح أن الكثير من العوائل لا يقع عليها التمييز فكل أمورها تسير على ما يرام من دون عوائقَ تذكر، فلا تحس حينها بألم التمييز ولا بأعراضه، بعكس العوائل البسيطة فقد كُتِب عليها أن تعاني من التمييز بكل عوارضه، بل بكل الأمراض الاجتماعية التي عادة ما توجد نتيجة التمييز.

بات من المؤكد أن هناك حاجة ماسة إلى معالجة حالات التمييز الطائفي بكل أشكاله وأنواعه عموما والتمييز الطبقي خصوصا، وعلى الحكومة أن تعي خطورة تفاقم هذا الوضع على نفسيات المواطنين وبالتالي تأثير ذلك سلبا على إنتاجهم وإنجازاتهم الوطنية.

لذلك علينا من الآن أن نقاوم الوجع والمرض ونتحدى الألم؛ حتى لا يتحول إلى ورم لا يمكن استئصاله. علينا أن نعي أهمية محاربة التمييز الطائفي بأنواعه كافة بمشاركة الجميع. لم يعد الشيعي فقط من يحارب حاليا ويلقى عليه همّ التمييز، فلقد أصبح السني الآن شريكا في الوجع، ففي السابق كان النظام يستغل مسألة التمييز للاستقواء بطائفة على أخرى، إلا أن الوضع اختلف فقد لجأ الحكم إلى الاستقواء بالمجنسين على المواطنين وهذا بدوره موضوع خطير جدا ولا يستدعي السكوت عنه.

لابد من حراك شعبي من قِبل السني والشيعي؛ بهدف الضغط باتجاه تشريع قوانينَ تجرّم التمييز الطائفي وتحرّم على المفسدين مواصلة نفسهم في الردم والهدم بمعول التمييز، وإدانة الأشخاص الذين يمارسون التمييز بين المواطنين، ومحاكمة كل من تسول له نفسه المريضة ممارسة التمييز بين المواطنين، وأيضا إدانة كل من يحاول استغلال منصبه الحساس وصلاحياته الواسعة، بأن يأتي كل ذلك عبر إصرار شعبي أكبر على محاكمة أبطال التمييز الطائفي شعبيا وإسقاطهم بكل الوسائل الممكنة، ولاسيما أبطال التقرير المثير للجدل الذي كان يرمي إلى تحقيق أهداف تمييزية صارخة بخلاف الأهداف الوطنية، والعمل على التشويش على الوزراء الذين يستغلون مناصبهم الرسمية، والتلويح باستجوابهم وإسقاطهم برلمانيا في حال تماديهم والإسراف في الإمعان في استغلال مناصبهم في إحداث حالات تمييزية ضد مصلحة الوطن.

شعرنا بالانزعاج حينما لم يجد مشروع كتلة الوفاق التأييد من قِبل الكتل، والذي كان يهدف إلى تشكيل لجنة لمعالجة حالات التمييز. عرفنا حينها أن مواقف الكتل تأتي انسجاما مع أهدافهم فلا يلامون بعدها فهم المستفيدون أصلا من التمييز القائم.

بعيدا عن النتيجة التي آلت إليها، لابد من إصرار أكبر على اعتماد مبدأ الكفاءة معيارا للتوظيف والترقية وتوزيع البعثات بعيدا عن الطبقية والمنغصات غير الوطنية، فلابد من توفير الخدمات والبنية التحتية لكل المواطنين بغض النظر عن التصنيف المناطقي، فهناك مناطقُ معدمة ومناطقُ تضج من التطور والتغيير.

نتكلم كثيرا على مستوى الشعارات عن الوحدة واللحمة الوطنية، على حين الواقع يحكي قصصا بشعة، ويرينا صورا شتى، وشتان ما بين الذي نسمع به وبين الذي نقرأ من شعارات وتصريحات براقة.

لا أظن أننا بحاجة إلى شعارات جوفاءَ فلسنا في حملات انتخابية بغرض استقطاب أصوات الناخبين، نريد خطوات واقعية وإجراءات صارمة ضد أبطال التمييز الطائفي؛ كيلا نجد لهم موقعا على خريطة الوطن؛ لأنهم هم من يحملون المعاول لهدم ما يتم بناؤه من تطورات ونماء.

ليس من المعقول أن نظل مُطارَدِين من أشباح التمييز. وليس من المعقول أيضا أن تظل أشباح الظلام تعيش معششة في مشروعاتنا الإصلاحية فالمفسد من يجد نفسه يضع الخطة تلو الخطة وينفذها من دون محاسبة من أحد يتمادى في فساده وعندما لا يجد من يحمِّر له عينه فإنه يعيث في الأرض فسادا، والمصلح عندما يجد نفسه لا يحمل سوى أهداف وطنية ومشروعات وخطط وطنية ولكنه لا يستطيع تحقيقها لا لكونه غير كفوء لذلك بل لأنه لايزال يلهث من المطاردات المتعمدة من أشباح الفساد والتمييز، أو ربما يجد نفسه مهمشا وغائب الدور في المشروعات الوطنية التي يحمل همها ووجعها يشعر حينها بعدم التقدير وبالتالي الإحباط ولا شيء سواه.

بكونه مبدأ وطنيا عاما علينا أن نواجه المفسدين، ونقاوم سمومهم، ونعرقل طموحهم ومدهم التدميري، وعلينا أن نوجه سهامهم إلى أنفسهم. أظن أن تلك خطوة شجاعة تحتاج إلى حكمة بالغة وهمٍّ وطني مشترك ورعاية أبوية، زد على ذلك كله حكمة كحكمة جلالة الملك الذي عودنا دائما أن يضع الخط الفاصل.

القوى السياسية تتلمس هذا الورم وتحاول أن تستأصله ولكن جذوره ضاربة حتى الأعماق لا يمكن لها إلا أن تطلب العون والدعم.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1940 - الجمعة 28 ديسمبر 2007م الموافق 18 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً