العدد 194 - الثلثاء 18 مارس 2003م الموافق 14 محرم 1424هـ

المعركة قصيرة... والحرب طويلة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

إنها الحرب، ولا شيء غير الحرب. هكذا قرأ جورج بوش القرار 1441 الذي صدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2002. وهكذا قررت الولايات المتحدة نيابة عن العالم. وهذا ما تريده واشنطن بالضد من كل عواصم الدنيا ومدنها.

أشرار الحزب الجمهوري الحاكم في البيت الابيض يريدون الحرب. انها حاجة داخلية أملتها مصالح شركات النفط ومصانع الاسلحة وتوازن القوة الدولية... وليس مهما في هذا المعنى ماذا قالت وتقول تقارير المفتشين الدوليين عن التزام العراق وتجاوبه مع القرارات الدولية، وان فرق التفتيش لم تجد ذلك السلاح الخطير الذي تتحدث عنه معلومات الاستخبارات الاميركية.

حتى لو وافق الرئيس العراقي على قرار الرحيل واختار المنفى بدلا من السلطة، وهو أمر مستبعد، فإن القرار هو الحرب ويستبعد ان تقلع اميركا عن قرارها حتى لو قرر صدام حسين مغادرة بغداد. فالحرب ستقع بوجود صدام او عدمه.

انها الحرب اذن، ولا شيء غير الحرب. حتى الرئيس الفرنسي جاك شيراك بات يتصرف وكأنها «قرار لا يرد» وتمنى على الرئيس الأميركي ان تكون سريعة وغير مكلفة. والمرجح ان تكون سريعة ومكلفة. وبقدر ما تكون سريعة بقدر ما تكون مكلفة. فالسرعة تتطلب استخدام اخطر واقوى ما تملك الولايات المتحدة من سلاح نوعي حتى تنهي مهمتها بأسرع وقت. والسرعة تتطلب الموت السريع أو القتل السريع حتى لا يستفز العالم وينتبه الى جرائم ضد الانسانية سيرتكبها أشرار البيت الابيض.

النقاش عن الحرب انتهى. فالحرب محتومة. النقاش عن سرعتها. الكل يريدها سريعة. هذا هو الاجماع الدولي الذي نشأ بعد ان اصرت ادارة واشنطن على خوض حربها الخاصة ضد بلد عربي... مفكك سياسيا ومحاصر دوليا منذ العام 1991.

ليس مهما الآن بالنسبة الى دول العالم ان الذئب قرر افتراس النعجة حتى لو كان الذئب هو الذي يهدد حياة الناس. المهم ان يفترس الذئب النعجة بسرعة حتى لا ينتبه العالم للجريمة.

انها الحرب إذن، ولا شيء غير الحرب. والحرب كما يقول خبراء الاستراتيجيات العسكرية ستنتهي في الساعات الست الاولى. بمعنى ان خطة الضربة الاولى (جوا وبحرا) ستقضي على كل عناصر الدفاع العراقية وستشل قدرة الجيش وقيادته على الحركة والاتصال والتنسيق والتنظيم. بعد الساعات الست الاولى ستكون المعركة من الماضي، والمواجهات البرية مجرد تفاصيل في حرب حسم أمرها وعرف المنتصر فيها... قبل وقوعها. والمقاومة العراقية ستكون مجرد اطالة للوقت ولن تقدم او تؤخر في توازن القوى لأن التوازن لو كان موجودا لما حصلت الحرب. فالحرب هي بين القوي والضعيف. والقوي قررها والضعيف عليه دفع الثمن.

انها الحرب. والحرب قامت ليس لأن العراق، كما يظن البعض، هو من الدول القوية، بل لأنه دولة ضعيفة ولو كان العراق فعلا يملك تلك الاسلحة المخيفة (الدمار الشامل) لما وقعت الحرب. إنها حرب توجيه الرسائل. والمقصود منها ليس العراق بعينه. العراق هو محطة ومنها سينطلق القطار الى محطات اخرى. الحرب قامت معتمدة استراتيجية «اضرب الضعيف يخاف القوي». انها حرب تخويف لكل من يفكر انه يستطيع التمرد على هيمنة القطب الواحد. والرسالة التي تريدها واشنطن من تدمير بغداد موجهة ليس فقط الى دول الجوار العربية والاسلامية بل الى كل دولة اخرى تحاول كسر احتكار الولايات المتحدة للقرار الدولي.

انها الحرب. والحرب تعتمد مبدأ الضربة الاولى. والضربة الاولى لن تطول اكثر من ست ساعات... والباقي مجرد تفاصيل، انها اقصر حرب في تاريخ المنطقة ولكنها الاطول سياسيا. فالانتصار العسكري ليس بالضرورة هو الانتصار. الانتصار العسكري هو مجرد ربح معركة كانت معروفة نتائجها قبل أن تبدأ. اميركا ستربح الحرب هذه ليست مفاجأة. المفاجأة انها ستخسر سياسيا وستدفع الثمن الغالي والكبير الذي سيخرجها من معادلة التاريخ. اميركا ستربح المعركة العسكرية وستخسر الحرب السياسية. المعركة قصيرة ونتائجها ستقرر لمصلحة اميركا في الساعات الست الاولى. إلا ان الحرب السياسية كبيرة وطويلة ستأخذ وقتها وهو طويل اكثر مما تخيلت الادارة الاميركية وأكثر كلفة مما توقعت.

الزمن يبدأ بست ساعات ولكنه لا ينتهي بساعات واسابيع وشهور وسنوات وعقود. فالزمن هو الغالب. ومن يضحك أخيرا يضحك كثيرا

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 194 - الثلثاء 18 مارس 2003م الموافق 14 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً