أظهرت بعض السلوكيات الأخيرة لرجال الأمن، أو ما تسميهم أدبيات حقوق الإنسان بالموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، منذ مسيرة يوم السابع عشر من الشهر الجاري، منحى خطيرا للمؤسسة الأمنية وفوقها من فوقها، في التعامل مع المطالب الديمقراطية، وعقلية غليظة تستقوي بتطبيق القوة المفرطة والترويع الشديد، تحت غطاء مؤسسي وقانوني كثيفين.
المداهمات العنيفة
أدلى الكثير من النساء والرجال بشهاداتهم حول المداهمات العنيفة وغير المبررة من قبل رجال الأمن لبيوتهم وهم فيها آمنون... كسروا الأبواب واقتحموا غرف النوم ووجهوا السلاح نحو رؤوس البنات الصغيرات والتفاصيل لدى النشطاء الحقوقيين والجمعيات الحقوقية والصحف اليومية. يدور في ذهنك يوميا، وأنت تتابع ما جرى في الليلة السابقة، شريطا لأحد أفلام عصابات المافيا الجبارة، التي تباغت ضحاياها وتأتي على الناس في بيوتهم عن آخرهم ثم ترحل بلا حساب أو عتاب؛ لأنها آمنة العقاب فذلك لغيرها وليس لها. لم كل هذا ونحن في الطالع والنازل نتفاخر في كلّ محفل بتوقيعنا المعاهدات والعهود الخاصة كافة بحقوق الإنسان... عن أية حقوق يتحدثون يا ترى، أعن هذه النصوص التي تنقض يوميا بمزيد من التراجعات والقيود الإدارية على الجمعيات والنقابات والاتحادات، أو عن هذه الديمقراطية العرجاء التي أجادت السلطة تسويقها في المناسبات الدولية وأمام الهيئات الأجنبية؛ لتسمع كلمات المديح والثناء.
إذا لم يكن لحقوق الإنسان؛ أي معنى في الأماكن الصغيرة القريبة من المنزل فهي لن تعني شيئا في أي مكان آخر. المقولة السابقة قالتها ببلاغة إليانور روزفلت إحدى مهندسي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أصبح مفصلا مهما ومصدرا رئيسيا تفرعت عنه كلّ الإعلانات والعهود والاتفاقيات الدولية والإقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان، ويبدو أن ذكرها اليوم مناسب جدا مع حالة فقد الأمن داخل المنزل وليس بالقرب منه فحسب كما تأمل.
اليوم وفي سياق مناقشة الأحداث الأخيرة يتساءل الكثيرون عن المعايير الدولية في التعامل مع مثل هذه المواقف الاحتجاجية وحقوق وواجبات الدولة وأجهزتها والمواطنين. وببعض البحث في منظومة حقوق الإنسان التي تدعو الأمم المتحدة حكومات الدول إليها، نجد إعلان الأمم المتحدة الصادر في ديسمبر 1975 حول «حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة»، و «اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة» الصادرة في ديسمبر 1984، وكذلك «الإعلان المتعلق بحق ومسئولية الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها عالميا»، الصادر في ديسمبر/كانون الأول 1998 وغيرها من إعلانات واتفاقيات. وأقل ما يقال بشأن تطبيق تلك المبادئ في البحرين، أنّ الوضع بات معكوسا، وأصبح المواطن ابتداء يعامل وكأنه مجرم تحت اسم القانون الذي أصبح هو الآخر مسيسا من قبل السلطة التنفيذية ليحفظ مكانتها وقوتها. ولا أعتقد أنّ أي مخلص للوطن يرغب في تقويض القانون وجميعا علينا احترام القانون ونعترف بدوره في حفظ الأمن الاجتماعي، ولكن عندما يوظف القانون بشكل غير محايد ومن أجل تقويض قدرة الشعب على المشاركة الديمقراطية وتعزيز الحريات الأساسية، يلزم علينا التفكير الجدي في تغييره نحو تحقيق العدالة.
... جربوا مسيل الدموع يوما
أقول أوّلا هل تعرّض الصحافيون الذين فزعوا لنصرة رجال الداخلية وسب المحتجين الجمعيات السياسية بمختلف أشكال وأنواع السباب الهابطة، هل تعرّضوا بأنفسهم لتأثيرغازمسيل الدموع يوما، هل جربوا شعورالاختناق ولو لفترة دقائق حتى يمضوا ويزايدوا على الناس المعوزة... أجزم أنها تجربة أصعب من الجلوس على مقاعدهم المريحة بكثير، خصوصا عندما يكون الغاز كثيفا. وحتى لو كانت المسيرة غير مرخصة فهذا لا يعطي قوات الشغب كل تلك السلطة الناقمة للضرب والترويع والاهانة، وبالطبع هناك أساليب أقل درامية لتفريق مسيرة احتجاجية من عدد محدود من المواطنين ولا بدّ أنهم يعرفونها، إلا أنهم اختاروا أقصر الطرق وأكثرها وحشية. واختارت الصحافة المنحازة، كما اعترف بذلك عدد من الكتاب، الحديث بسطحية شديدة عن المعالجة الأمنية والمخاطر المحدقة بالوطن، وتناسوا أسباب الأزمة وتراكم مشاعراللاثقة لدى المواطنين مع استمرار إهمال مطالبهم السلمية والشرعية.
إن إعلان الأمم المتحدة الصادر في ديسمبر 1975 حول «حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة» يعرف التعذيب في مادته الأولى على النحو الآتي:
«1. لأغراض هذا الإعلان، يقصد بالتعذيب أي عمل ينتج عنه ألم أو عناء شديد، جسديا كان أو عقليا، يتم إلحاقه عمدا بشخص ما بفعل أحد الموظفين العموميين، أو بتحريض منه، لأغراض مثل الحصول من هذا الشخص أو من شخص آخر على معلومات أو اعتراف، أو معاقبته علي عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، أو تخويفه أو تخويف أشخاص آخرين....
2. يمثل التعذيب شكلا متفاقما ومتعمدا من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة».
ووفقا لهذا النص فقد تعرض غالبية سكان القرى البحرينية للتعذيب.
وتؤكد المادة 8 من ذات الإعلان «لكل شخص يدعي أنه تعرض للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة بفعل موظف عمومي أو بتحريض منه، الحق في أن يشكو إلي السلطات المختصة في الدولة المعنية، وفي أن تدرس قضيته دراسة محايدة من قبل هذه السلطات».
كذلك تورد المادة 11 «إذا ثبت أنّ عملا من أعمال التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أواللاإنسانية أو المهينة قد ارتكب بفعل موظف عمومي أو بتحريض منه، كان من حق المجني عليه الإنصاف والتعويض وفقا للقانون الوطني.»
وفقا لكل ذلك يا صحفيينا الأفاضل أتجدون أننا نعيش دولة قانون وعدالة وهل ستدافعون عن الناس كما دافعتم عن الدولة وأجهزتها..
نورونا بتحليلاتكم لعلنا نفهمها صح
إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"العدد 1938 - الأربعاء 26 ديسمبر 2007م الموافق 16 ذي الحجة 1428هـ