مرّت على هذه البلاد الكثير من الاختبارات والتحديات القاسية، ومرّ من هنا رجال ونساء كبار، سنة وشيعة، عربا وعجما، حكاما ومحكومين عايشوا جميعا هذه الأزمات وخرجوا منها. نقطة هنا، ونقطة هناك إلا أن احدا لم يجمع النقاط كلها.
تلك الاختبارات القاسية عطلت من مسيرة التنمية في هذه البلاد ومن فرصها في أن ترتقي بما يحلم أبناؤها، الأكثر من ذلك، أنها أرجعت مكنة التنمية والتحديث للوراء دولة ومجتمعا، لم تعد البحرين اليوم الأولى كما كانت سابقا، وكما كان البحرينيون يفخرون بأنفسهم بين أبناء الخليج كافة.
اجتاز البحرينيون تلكم الاختبارات والتحديات، إلا أن أحدا لم يستطع أن يطلق فرحة الانتصار الأخير، ففي الانفلات والتسرع والمبالغات على حساب الوطن لا ينتصر أحد. ولا يستطيع أحد ما أن يستفرد بالأمر وحده، هذه «بلاد» وليست كعكة تقسمها السكاكين والرماح.
البحرين، تلك الزهرة التي أعطت لأبنائه الحق في الوجود والتَشّكل، تحتاج إلى مرة واحدة أن يُحَكِم أبناؤها العقل في إدارة مثل هذا الأزمات، يستطيع أي واحد منّا (مسئولين/ نوابا/ ساسة/ صحافيين) أن يزيد من وتيرة الاشتعال والتحشيد والتجييش، لكن بالتأكيد لن ينتصر. في مثل هذا الظرف الصعب والتحدي الجديد نحتاج إلى أصوات أخرى تحب البحرين، وتريد لأهلها الخير والسلام والمحبة. أصوات أخرى، تؤمن أن لا أحد في البحرين يمتلك الحق في محو الآخر وإنهاء وجوده الذي سيبقى أزليا أبديا ما بقت الدراز وجدحفص والبديع والرفاع، وما بقى إنسانها الحقيقي الطيب.
البحرين هي البحرين، حكاما ومحكومين، سنة وشيعة، ولا أحد يستطيع أن يزيح سنتها أو شيعتها منها، أو أن يغلب طائفة على أخرى، هي هكذا، عاشت بهذه الطائفتين منذ القدم ولاتزال وستبقى، ولا يستطيع أيا كان أن يغير من هذا المعادلة شيئا. نعم، يستطيع البعض أن يزيدوا من رحى الفتنة وأن ينغصوا على البحرينيين أمنهم وسلامتهم وحبهم لبعضهم بعضا إلا أن رحى الفتنة لا بد وأن تلقى مَنْ يستطيع إيقافها عبر تحكيم العقل والعودة لإنسان البحرين الأصيل والحقيقي الذي لا بد وأن يكون متأهبا لإيقاف هذا النزيف الذي نأمل من الطرفين أن يبادرا لإيقافه سريعا قبل أن يستغل الموتورون هذا القرح في زيادة أوجاع وآلام هذا الشعب الذي يستحق من قيادته وساسته وصحافييه ووجهاءه الحب والإخلاص.
مازلنا نأمل من المخلصين في هذا البلد التحرك في إعادة الأمور لنصابها الصحيح، وألا يستمع أي من الطرفين لأبواق الفتنة والتأزيم فيهما، حتى يندمل الجرح وتعود الابتسامة على الوجوه وتنتهي حال الترقب والخوف من مستقبل مجهول ومضطرب
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1937 - الثلثاء 25 ديسمبر 2007م الموافق 15 ذي الحجة 1428هـ