استأجر الصينيون في مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2007 من الحكومة التونسية نصف جزيرة زمبرة لإقامة «مشروع سياحي بيئي». وقبل ذلك بأيام، حلت قوات صينية في دارفور في إطار قوات حفظ السلام، بعد ما رفض السودان السماح لقوات غربية أن تطأ أراضيه.
وفي مايو/ أيار 2007، اختار البنك الإفريقي للتنمية، عقد اجتماعاته السنوية لأول مرة خارج القارة الإفريقية، وكان ذلك في الصين. وأخيرا، حذا رجال الأعمال التونسيون حذو البنك الإفريقي، فوضعوا الدورة السنوية الأخيرة من «أيام المؤسسة»، التي تُعقد في مثل هذه الفترة من كل سنة، تحت عنوان: «المؤسسة المغاربية وآسيا: التحديات والفرص».
من جانبها، قررت الصين إرسال 100 خبير زراعي كبير إلى إفريقيا خلال 3 أعوام، وسيصل نصفهم بحلول نهاية العام الجاري. هذا، وبلغ حجم التجارة بين الصين وإفريقيا 55,5 مليار دولار أميركي خلال العام 2006، بزيادة بنسبة حوالي 40 في المئة عن العام 2005، ومن المحتمل أن تتجاوز التجارة الثنائية 100 مليار دولار قبل العام 2010. إلى جانب كل ذلك، أنشأت المؤسسات الصينية 480 مؤسسة مشتركة توظف 78 ألف صيني في إفريقيا.
وكما يبدو فإن بكين تضع عينها على الأسواق الإفريقية، في نطاق نظرة إسترتيجية متكاملة للبحث عن موطىء قدم اقتصادي جديد في الأسواق العالمية ومن ضمنها القارة الإفريقية. ويرتكز هذا التوجه على وضع اقتصادي صحي متين ومتنام باتت تتمتع به الصين منذ ما يزيد على العقد من الزمان. ويمكنا ان نستشف ذلك من قراءة سريعة لبعض الأرقام.
ففي العام 2005، حافظ الوضع الاقتصادي الصيني على قوة دافعة سليمة، وخصوصا أنها قد تحسن الاستقرار الاقتصادي نوعا مَّا، وتحقق تنسيقا في تقدم التنمية. ووفقا لأرقام العام 2005، بلغ مجمل الناتج الوطني 2,5 تريلون دولار، بزيادة 9,9 في المئة عن العام 2004. من ذلك، حققت الصناعة الأولى قيمة مضافة بمبلغ 309 مليارات دولار بزيادة 5,2 في المئة. و1172,5 مليار دولار للصناعة الثانية بزيادة 11,4 في المئة. و1000 مليار دولار للصناعة الثالثة بزيادة 9,6 في المئة. وبلغت نسبة القيمة المضافة لكل من الصناعات الأولى والثانية والثالثة في مجمل الناتج الوطني 12,4 في المئة و47,3 في المئة و40,3 في المئة على التوالي. هذا وارتفع المؤشر العام للأسعار الاستهلاكية في الصين بنسبة 1,8 في المئة عن العام السابق، ومن ذلك، ارتفعت أسعار الخدمات 3,3 في المئة، ومبيعات التجزئة 0,8 في المئة.
هذا وحافظ الاقتصاد الصيني على نمو سريع ومتواصل في العام 2007. ومن المتوقع أن يزداد معدل إجمالي الناتج المحلي في هذا العام بنسبة 11,5 في المئة عن مثيله في العام الماضي. وظهرت مع ذلك بعض المشاكل الملحوظة مثل الاستثمار المفرط في مجال الأصول الثابتة والازدياد الكبير في الاقتراض والفائض التجاري الكبير وخصوصا اشتداد ضغوط التضخم المالي خلال هذا العام.
تعزز من كل هذا النمو بنية تعليمية متينة، ففي العام 2005، أحرزت الصين تقدما كبيرا نسبيّا في مجالات التعليم قبل الالتحاق بالمدرسة والتعليم الإلزامي والتعليم المهني ومحو الأمية بين الكهول وتعليم أبناء الأقليات القومية وغيرها.
ووفقا لأرقام ذلك العام، بلغ عدد الطلاب الجدد في المدارس العالية العادية في العام كله 5,05 ملايين، ويدرس فيها 15,67 مليونا، والخريجون 3,07 ملايين. في الوقت ذاته بلغ عدد الطلاب الجدد في المدارس الثانوية العادية 8,78 ملايين، ويدرس فيها 24,09 مليونا، والخريجون 6,62 ملايين. بلغ عدد التلاميذ الجدد في المدارس الابتدائية 16,72 مليونا، يدرس فيها 108,64 ملايين، والخريجون 20,2 مليونا.
يعترف بمثل هذا النمو خبراء اقتصاديون دوليون مثل كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي ديباك بهاتاسالي الذي أشاد في حديثه في الجلسة الافتتاحية للاجتماع السنوي لمنتدى التنمية الصينية للعام 2004 بالنشاط الفعال للصين في العولمة الاقتصادية والتحسن الناتج لمناخ الاستثمار، مشيرا إلى أن الصين استوعبت استثمارات أجنبية مباشرة قيمتها 50 مليار دولار أميركي خلال العام 2003، مضيفا أنه من الممكن إرجاع ذلك إلى خطى الصين السريعة في مواكبة اتجاه العولمة الاقتصادية. وقال إن العولمة، إلى حدٍّ كبير، ضمنت تنمية اقتصاد الصين بطريقة متوازنة من خلال مواكبة الاقتصاد العالمي.
بطبيعة الحال لا يخلو كل ذلك من مشاكل طبيعية يولدها هذا النمو، ويبدو أن خبراء الاقتصاد الصينيين مدركون للمشكلات المتوقعة الناجمة عن هذا النمو، ففي المؤتمر المركزي للأعمال الاقتصادية الصينية الذي أنهى أعماله يوم 5 ديسمبر/كانون الأول 2007 في العاصمة الصينية (بكين)، حددت السياسة الاقتصادية الصينية الأساسية للعام المقبل وذُكر أن الصين ستتبنى سياسة مالية مستقرة وسياسة الانكماش النقدي لتجنب النمو الاقتصادي المفرط والتضخم المالي الملحوظ.
وأشار خبراء صينيون متخصصون في المجالات الاقتصادية والمالية إلى أن السياسة الاقتصادية الأساسية الجديدة تبرهن على الأفكار البعيدة النظر للحكومة الصينية بشأن السيطرة الكلية، وتسهم في الحفاظ على مواصلة النمو الاقتصادي الصيني بصورة مستقرة وسريعة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1934 - السبت 22 ديسمبر 2007م الموافق 12 ذي الحجة 1428هـ