التحدي الجديد الذي طرحته تداعيات الانفلات الأمني في جدحفص بالنسبة للدولة، هو مدى قابليتها للمضي قدما في دعم المشروع الإصلاحي مع فئات المعارضة الفاعلة والملتزمة بسيادة القانون. يأتي ذلك بالتزامن مع التصريحات التي أطلقها الأمين العام لجمعية الوفاق النائب الشيخ علي سلمان حين تحدث عن حوارات غير معلنة مع بعض الأطراف تهدف إلى توسيع فضاءات العملية السياسية والديمقراطية في البحرين.
لا يمكن للدولة أن تعمد إلى تغليب منهجية العقوبات الجماعية في «السياسي» كما هو معمول به أمنيا، وخصوصا أن المعارضة القانونية - المتمثلة في الجمعيات السياسية التي شاركت في الانتخابات النيابية 2006 من فاز منها ومن لم يفز - استطاعت اجتياز الكثير من الاختبارات الصعبة مع شارعها، وهو ما يجب أن يكون الرد عليه تأكيد قدرة الدولة على أن تجتاز هذا الاختبار أيضا، وأن تحافظ على العملية السياسية في البحرين من أي منغصات غير متوقعة، أو أحكام متسرعة تلقي بعموم التجربة للوراء.
وعلى رغم صعوبة هذا الاختبار على الطرفين (الدولة والمعارضة) فإن الطرفين مدعوان لأن يعيدا قراءة المسرح السياسي في البحرين من جديد، وأن يجعلا من هذه الفئات الشبابية طرفا في المعادلة، وأعني بذلك، أن يتم الالتفات إلى قضاياهم والأسباب التي دعتهم إلى تغليب خيار الخروج في الشارع تحديدا، وهذا الالتفاف يجب ألا يكون على مستوى التنظير، بل يجب التعامل معهم بصفتهم مواطنين يمثلون جزءا من النسيج الاجتماعي، وهذا الجزء يعاني من مشكلات محددة لابد من مناقشتها بوضوح وصدقية عبر القنوات الرسمية وغير الرسمية.
إن القفز على حوادث جدحفص لن يكون حلا بقدر ما سيكون استمرارا في لعبة تأجيل الحلول الحقيقية، فالجميع يدرك أن حوادث جدحفص وما جاورها لم تكن مفاجأة بل كانت في واقع الأمر تصعيدا متوقعا في ظل تضييق الدولة لفرص تحقيق الإنجازات عبر القنوات الرسمية والقانونية (المجلس النيابي) أولا، وفي ظل التقوقع النيابي لـ «الوفاق» في قبول واضح بالمعادلة الطائفية وما يترتب عليها ثانيا.
الدولة ثم الدولة، لأنها من يجب أن تبادر لاحتضان أبنائها وأن تسعى إلى حلحلة هذه الأزمة. هناك إيمان حقيقي بأن الأوراق لم تحترق بعد وأن مساحات من الأمل تستطيع أن تتسع لتجد لهذا الانفلات الحل القويم الذي يصل بعموم تجربتنا السياسية لبر الأمان، ومنذ الأمس كانت التصريحات الرسمية لقوى المعارضة إيجابية وتدعو للتفاؤل، والكرة الآن في ملعب الدولة، والجميع ينتظر أن ترد الدولة على هذه التصريحات بالمستوى المأمول من المصارحة والشفافية والعمل المباشر نحو تحقيق مصالحة وطنية جديدة تتصف بالمسئولية والصدقية قبل أن يدفع الجميع ثمن التأجيل الذي سيكون بلا شك مضاعفا وأكثر قسوة.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1934 - السبت 22 ديسمبر 2007م الموافق 12 ذي الحجة 1428هـ