العدد 193 - الإثنين 17 مارس 2003م الموافق 13 محرم 1424هـ

«لا... عفوا أيها المتثقفون»

لماذا الخلط بين النظام والشعب؟

رياض طاهر comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

خاضت امتنا العربية بمثقفيها عبر الكثير من الازمنة نضالات بطولية وقدمت التضحيات الجسام في سبيل اعلاء كلمة الحق والنضال مستلهمة في ذلك دورها بالدفاع عن الامة العربية والاسلامية ضد المستعمر والغازي لتعكس بذلك المعدن الاصيل والركيزة الاساسية للمثقف المرتبط بالواقع والمدافع عن كرامة هذه الامة. ونتيجة للمعانات التي مرت على الساحة العربية والاسلامية خرجت لنا من رحم الطبقة المثقفة والمناضلة التي اتسعت عناصرها بأشخاص تنظر وتحلل الامور وفق اهوائها الشخصية، تنطلق من نظرة ضيقة للامور وتسعى لخلط الاوراق المزيفة والحقيقية ولا تفرق بينها في تحديد الاولويات بحسب اهميتها وخطورتها على مستقبل وكيان الامة لا تحسب إلى التبعات التي تجر على المنطقة لان الاختلاف مع هذا النظام او ذاك يجب ألا يجرنا إلى ركوب موجة الوقوف مع العدو المشترك لنا والمهدد لكياننا في سبيل اضعاف كل منا للآخر لان المستفيد من كل ذلك بالمحصلة النهائية هو عدونا المشترك.

عانى واقعنا العربي ومنذ فترة ومازال يعاني من الكثير من المحسوبين على الطبقة المثقفة التي تعطي الارشادات الحكيمة والنصائح الصائبة مستخدمة اقلامها فقط تحت لواء الشفافية وباب المصارحة (المناطحة) والعقلانية في الحوار وتحدد من خلالها مدى تطابق المواقف مع آرائهم الشخصية في صدق ونوايا الآخرين اما معيار الوطنية والنضال ضد الاجنبي فانه يأتي في مرتبة لاحقة ويتأرجح بمدى تطابقه مع المعيار الآخر المتمثل بالآراء الشخصية من هذا النظام او ذاك.

طالعتنا «الوسط» العدد 185 بتاريخ 10 مارس/اذار 2003 ضمن صفحة قضايا زاوية «روافد» بأحد هذه الشخصيات وباسم الشفافية وباب المصارحة والعقلانية في الحوار تهجم صاحب المقال بكلمات منها «المنافقون» واتحداكم يا ايها المتظاهرون» كلها كلمات تخرج عن منطق الحوار الديمقراطي والعقلاني الصريح إلى منطق الوصي والمعطي الذي يحدد صواب هذا التصرف او ذاك وهذا يقلب الموضوع رأسا على عقب فيما جاء به في مقدمة حديثه الشيق والعقلاني. ان الدخول في صلب الموضوع تحت اطار عفوا «ايها المتظاهرون»! فان لي بعــض الآراء بشأنه ولن اكون متناقضا في قولي باسم العقلانية في وقت اتهجم على الآخرين ومواقفهم كما جاء في موضوعك لان الشفافية والعقلانية بعيدان كل البعد عن مثل هذه الاطروحات والتحليلات اللاعقلانية. وعلى العموم ذهبت هذه المجموعة الخيرة من ارض البحرين عبر البحر ليست في نزهة كما تصورها احلامك وانما للتضامن مع شعب العراق متوجسين في اية لحظة ان يتم العدوان الاميركي البريطاني على العراق ونحن نعيش بين شعبه ناهيك عن معاناة اهلنا وكل المخلصين في البحرين خوفا علينا. ونحن في مثل هذه الظروف من احتمال وقوع العدوان ما يترتب عليه قطع طريق العودة علينا وصعوبتها اما قولك «يا من اكلتم من قوت الشعب العراقي» فانك تعلم ان كان لديك جزء من الادراك عن الحال التي نعيشها نحن في البحرين من خيرات انعمها الله حتى على الشخص الفقير الحال إذ يستطيع ان يقتات قوت يومه من دون الحاجة إلى الآخرين. وبسبب هواجس موضوعك جعلك تنسى او تتناسى بالاحرى حال شعب البحرين. واما عن معاناتنا اثناء سفرنا سواء في الباخرة او اثناء الطريق من البصرة إلى بغداد من قلة النوم ومخاطر طريق السفر الطويل منذ خروجنا من البحرين حتى وصولنا إلى بغداد تقريبا 36 ساعة ليست افضل من النوم على السرير في منازلنا لتخرج لنا عبر موضوعك ولتصفنا «بالمنافقون». لانه حسب ما اعرف ان المنافق لا يخاطر بكل هذه الامور وانما يعمل للوصول إلى هدفه من دون مخاطر بل بالمجاملة وعكس الامور من الحق إلى الباطل.

كما انه يوجد بين صفوفنا نحن اعضاء الوفد الذين وصفتهم بـ «المنافقون» امرأتان تعانيان من امراض مزمنة وخطيرة اصرتا على ان ترافقا الوفد للتضامن مع شعب العراق. وبعد رجوعنا إلى ارض الوطن كان في استقبال احداهما سيارة اسعاف اقلتها إلى المستشفى بدل السرير الدافئ الذي كنت تنام فيه انت وامثالك من المتشدقين بالحرص على الشعب العراقي.

واما حديثك المنطقي عن الحرص على شعب العراق وانه يجب الوقوف معه في محنته الداخلية قبل المواجهة الخارجية المقبلة هذا الشهر ام الذي يليه على الاكثر. ان كل محلل للفقرة اعلاه يستدل على ان كاتب هذه السطور انما هو شخص كاره النظام في العراق والحمد لله لانك لم تفرق بان الانتظار لن يطول لضرب شعب العراق بالقنابل والصواريخ التي لا تفرق ان وقعت المواجهة بين مؤيد للنظام او معارض له او بين طفل وطفل وشيخ وشيخ وامرأة وامرأة، إذ كل الشعب العراقي سيكون المستهدف من هذه العمليات الحربية العدوانية التي لن تقوم بها اميركا وبريطانيا بالعمل العسكري وحدهما وانما بمساهمة المثقفين الذين يروجون إلى الضربة هذا الشهر او الذي يليه.

وهذه احدى مصائبنا نحن في الامة العربية والاسلامية التي تعاني من اقلامكم التي هي سبب معاناتنا ليست في الموقف من العدوان الاميركي البريطاني المرتقب على ارض العراق بل في مجمل اوضاعنا على الساحة العربية والاسلامية التي قد نتفق في بعض جوانبها الفرعية. ان العدوان على اي ارض عربية او اسلامية هو عدوان على كل المبادئ الاسلامية والاديان السماوية التي حرمت الوقوف مع الاعداء وقد افتى الكثير من علمائنا المسلمين بتحريم مساعدة هذا العدوان وتم تكفير من يقوم بذلك ما عدا العلماء المرتبطين بالانظمة والمثقفين الذين ينطبق عليهم المثل «الساكت عن الحق شيطان اخرس».

ومن المواقف المشرفة لنا كشعب البحرين ما قامت به احدى المواطنات بالتبرع بالذهب المحتفظة به إلى عرس ابنتها حينما تتزوج اذ قدمته هدية زواج إلى احدى العراقيات وفي الفندق الذي نزلنا به على شرف المنظمات الجماهيرية العراقية. واعطت هذه الحال جوا من الفرح ممزوجا بالبكاء العاطفي من قبل اهالي العروس العراقية والحاضرين. وهذا الشعور لا اظن يستطيع مقالك ان يستوعبه لانك محصور ضمن نطاق محدود عبرت عنه هذه المواطنة البحرينية عن حبها لشعب العراق من خلال التضحية بهدية ابنتها لترسلها إلى ابنتها العروسة والمجهولة في العراق في الجهة المقابلة. نرى انك تنتظر هذا الشهر او الذي يليه على الاكثر بحسب قولك لتهدي إلى هذه العروسة وغيرها القنابل والصواريخ الاميركية البريطانية.

كما ذهب البعض من اعضاء الوفد إلى العراق محملين بالهدايا الشخصية من ملابس واموال ومقتنيات شخصية كل بحسب استطاعته وقاموا بتوزيعها بشكل انفرادي على المواطنين العراقيين لان ادارة الوفد لم ترغب الا بتسليم الادوية والقرطاسية والكتب العلمية إلى الجهات المختصة في العراق.

والتاريخ العربي والاسلامي كان مع الاسف في كل مرحلة من مراحله يخرج لنا من بين صفوفنا من يؤيد الاجنبي على غزو العربي وتستطيع ان ترجع إلى التاريخ الذي لا يرحم.

كما ارجو منك اعادة التمعن في موضوعك والوقوف لحظة واحدة مع نفسك موقف الشخص المحايد كما حاولت ان تصيغ به موضوعات الانف من باب المصارحة والشفافية والعقلانية في الحوار... الا ترى مثل ما ارى من ان الموضوع يحمل الحقد على النظام في العراق وهذا يخرج الموضوع من البعد الانساني بالخوف على الشعب العراقي من مضمونه الانساني لينقلب إلى نوع من الحقد على النظام. ان شاء الله خير ان يكون سبب الخوف على شعب العراق لا غيرها من الاسباب التي اجهلها انا مع شكلها الخارجي

العدد 193 - الإثنين 17 مارس 2003م الموافق 13 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:21 م

      اه من المعريفة

      المعريفة راهى مايرة حالة والبطالة تتزايد

اقرأ ايضاً