لقد ثبت أخيرا أن وادي السيليكون في سان فرانسيسكو، مهد صناعة البرمجيات والتقنيات الحديثة في الولايات المتحدة قد أصبح بقعة ملوثة بيئيا بسبب التكنولوجيا المتقدمة. وكما هو معروف، تضم مقاطعة «سانتا كلارا» المعروفة بوادي السليكون 29 موقعا صناعيا ضخما شديد التلوث وهي تخضع حاليا لمشروع تنظيف بيئي مكثف بإشراف وكالة حماية البيئة الأميركية. وقد تم اكتشاف أكثر من 100 مادة ملوثة في المياه الجوفية في منطقة الوادي ومن أكثرها انتشارا الإيثيلين الثلاثي الكلور وهو مسبب للسرطان والإيثان ثلاثي الكلور الذي يشل الجهاز المناعي ويسبب انهيار الجهاز العصبي المركزي.
أن إنتاج رقاقة سليكون واحدة بطول 20 سم يعني ما معدله 17 ألف لتر من المياه العادمة و12 كيلوغرام من المواد الكيميائية و 0,82 متر مكعب من الغازات الخطرة و 4 كيلوغرام من النفايات الخطرة. وتشمل هذه المواد الكيميائية والغازات إيثر الغليكول الذي صنفته وكالة حماية البيئة الأميركية بأنه «سم خطير» للجهاز التناسلي، وغاز الأرسين الزرنيخي شديد السمية الذي إذا ما تسرب من إسطوانة واحدة يمكن أن يقتل كل العاملين في وحدة إنتاج شبه الموصلات في المصنع. وإذا أخذنا بعين الاعتبار إنتاج 220 مليار رقاقة في السنة فإن صناعة الإلكترونيات تبدو صناعة خطرة جدا.
وحسب تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة فإن الدول النامية وخصوصا إفريقيا تدفع ثمن النفايات الالكترونية السامة التي تصدرها إليها الدول الغربية بسبب ارتفاع تكاليف التخلص منها في دولهم، وتلجأ أغلب الدول الغربية إلى إرسال هذه الأجهزة على أنها هبات ومنح لأجهزة قابلة للاستخدام، ولكن وفقا لدراسة دولية أعدتها منظمة العمل من أجل النفايات الإلكترونية فإن نسبة 75 في المئة من هذه الأجهزة لا يمكن أن يعمل مرة أخرى. والأمر الذي يحدث أنه عندما تختفي الحاسبات الآلية المهملة من على أسطح المكاتب على مستوى العالم، ينتهي بها الأمر، في الغالب إلى إحدى مدن العالم الثالث مثل مدينة غويو الصينية التي أصبحت تعرف اليوم بعاصمة الإلكترونيات المهملة على مستوى الكرة الأرضية، وهي بمثابة المجزرة للحاسبات الآلية. ولكنها بدلا من أن تستخدم فضلات الذبيحة ودماءها، نجد أنها تقوم على المعادن السامة والأحماض. وتملأ هياكل الحاسبات شوارع المدينة، في انتظار تقطيع أوصالها. أما لوحات الدوائر الكهربية والأقراص الصلبة فترقد في تلال ضخمة. إذ يقوم العمال داخل آلاف الورش بتمزيق وطحن العلب البلاستيكية إلى أجزاء، وقضب الأسلاك وخلع الرقائق من لوحات الدوائر. ويمرر العمال اللوحات من خلال أفران أو حمامات الأحماض لإذابة الرصاص، والفضة والمعادن الأخرى من الفتات الرقمي. ويتخصص في تفكيك لوحات الدوائر ست قرى من قرى غويو، خمس منها في البلاستيك وإعادة تشكيل المعادن. ولكن هذا العمل يعرض حياة وصحة العاملين فيه للخطر إذ يوجد نحو 60,000 عامل في عملية إعادة تصنيع النفايات الإلكترونية وتملأ رائحة اللحام المحترق وإذابة البلاستيك الهواء. ويقول الناشط البيئي وو سونغ من جامعة شانتو :»أنا لا أعتقد أن هذه عملية إعادة تصنيع. والدليل على ذلك أنهم يتجاهلون البيئة تماما». إن ما يحدث قريب الشبه بتنقية النفايات والمعادن المصهورة.
أما على المستوى العربي فقد كشف رئيس قسم البيولوجيا والمؤثرات البيئية بجامعة بنها في مصر عادل عبد المنعم عن أن الدول المتقدمة في مجال الالكترونيات ترفض تماما معالجة النفايات الالكترونية وتقوم بتصديرها إلى دول عديدة في شرق أسيا، وربما من دون مقابل، ثم تعيد هذه الدول تدوير تلك المخلفات واستخراج ما يمكن إصلاحه منها وتصديره إلى بلاد أخرى. وأشار إلى أن بقايا الأجهزة الإلكترونية في أميركا تدخل عادة ضمن المعونة.
وأوضح أن هذه الأجهزة تتلف سريعا وينتج عنها نفايات سامة لها تأثيرات بيئية وصحية خطيرة مؤكدا عدم وجود قانون عربي يلزم الأفراد والشركات والهيئات بالتخلص الآمن من هذه النفايات ما يضاعف من خطورة تداعياتها، محذرا من خطورة المصانع الصغيرة والمحلات المنتشرة التي تعمل في مجال صيانة هذه الأجهزة، وأشار إلى أن هذه المصانع العشوائية الصغيرة غير مؤهلة للتعامل الآمن مع هذه الأجهزة وتعمل من دون تراخيص أو صلاحيات لتداول هذه المواد المدمرة التي عندما تتعرض للاحتراق تنبعث منها غازات وشوائب تؤدي لأمراض عديدة وجديدة قد لا يعرف الأطباء تشخيصها الدقيق
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1923 - الثلثاء 11 ديسمبر 2007م الموافق 01 ذي الحجة 1428هـ