أكد الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية ورئيس كتلتها البرلمانية النائب الشيخ علي سلمان أن «البحرين أمامها طريق طويل من المحطات لتحقيق البرلمان الذي طالب به المرحوم العلامة الشيخ عبدالأمير الجمري».
وأضاف سلمان في حوار مع «الوسط» بمناسبة الذكرى الأولى لرحيل الشيخ الجمري: «من الواضح أن البرلمان الحالي ليس هو المجلس الذي ناضل من أجله الشيخ الجمري ومن خلفه الناس، لأن ما هو موجود حاليا هو أدنى مراتب هذا المطلب».
وتابع سلمان قائلا: «مطلب الشيخ ومن خلفه جماهير الشعب هو برلمان يتمتع بصلاحيات أكبر، لتحقيق العدالة الاجتماعية وتكوين علاقة مستقرة بين النظام والشعب من خلال دولة مؤسسات وقانون، ولكن ما تحقق هو خطوة في طريق طويل أمام وصول البحرين إلى هذه الرؤى الإصلاحية المتقدمة»... وهنا نص الحوار:
* ما الذي تتذكره من الشيخ الجمري، وخصوصا في البعد الإنساني؟
- إن سماحة الشيخ عبدالأمير الجمري رحمه الله كان رمزا دينيا واجتماعيا من قبل أن أدرك الأمور بلحاظ العمر، لأنني من مواليد العام 1965 والشيخ الجمري دخل المجلس الوطني (في العام 1973) وكان عمري حينها 8 سنوات، فنحن في ذهننا أن الشيخ الجمري والشيخ عيسى أحمد قاسم منذ أن كنا صغارا كانا رمزين بالنسبة إلينا.
الصورة الأولى التي ارتبطت في ذهني بسماحة الشيخ عبدالامير الجمري هو العالم العادل الذي يعيش هموم أمته، ويعيش معها آلامها وآمالها، ولاحقا في العام 1986 عندما كان سماحة الشيخ رحمه الله يتواجد في منطقة البلاد القديم كخطيب حسيني في مسجد ناصر الدين، وهذا السبب جعل سماحته قريبا مع مجموعة من الشباب، فمنطقة البلاد في تلك الفترة كانت تتميز بوجود حراك ثقافي واجتماعي.
كان جزء من هذا النشاط يتمحور حول سماحة الشيخ عيسى قاسم وسماحة الشيخ عبدالأمير الجمري اللذين كانا يرعيان هذا الحراك، كما أن هذا التيار كانت لديه مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية مشروعة، ولكنها كانت تتمحور حول المسجد والمأتم والاحتفالات الدينية، وهذا أول التقاء مباشر في ذاكرتي مع سماحة الشيخ، وربما صليت خلفه قبل هذا التاريخ أيضا.
ولكن اللقاء المباشر المتواصل جاء لاحقا في العام 1992 عندما نزلنا من قم، تشرفت أكثر من مرة بزيارة سماحة الشيخ في منزله، وصارت اللقاءات متكررة مع سماحته، وبعد سفر الشيخ عيسى قاسم كانت وصيته لي: «لا تحسم أمرا من غير الشيخ عبدالأمير»، وهذا الرابط أضيف إلى الرابط الديني السابق، وفي الأمور العملية كان الشيخ معبرا لأية فكرة في الأبعاد الدينية والسياسية والاجتماعية.
واللقاءت مع سماحته أصبحت شبه يومية وبيتهم كان المكان الأكثر احتضاناَ لهذه اللقاءات، وإذا كانت المضايقات الأمنية تزيد كنا نضطر لتغيير المكان، ولكننا لا نستطيع أن نتجنب اللقاءات في بيت الشيخ سواء كانت القرارات التي تحتاج إلى استشارة الشيخ الشخصية وكذلك العلاجات التي تحتاج إلى مشورة موسعة وأكثر من علاجات سريعة.
* ولماذا كان هذا التنسيق الكبير مع الشيخ عبدالأمير الجمري؟
- لم تكن هناك شخصيات بارزة مثل الشيخ عيسى قاسم والشيخ عبدالأمير تتصدى لقضايا الناس في أبعادها المختلفة، فسماحة الشيخ كان صاحب رؤية بشأن كثير من القضايا وعلى رأسها إصلاح الأوضاع وساهم في تأصيل هذه الرؤية السياسية ورؤية تحمل المسئولية في البعد الجماهيري عبر الندوات والزيارات ومعايشة الناس في مختلف المناطق. وهذا الأمر كوّن خصوصية لهاتين الشخصيتين، فالشيخ عيسى والشيخ عبدالامير كانا متفرغين لخدمة المجتمع في بعدها الديني والاجتماعي والسياسي وجل وقتهما كان منصبا في هذا الاتجاه، وفي هاتين الشخصيتين عناصر تخصص ديني كامل، فهما كانا يخصصان جزءا من وقتهما صباحا إلى الحوزة الدينية والبعد الخيري والاجتماعي، وكان محور الانطلاق على هذا الصعيد هو بيت الشيخ عبدالامير. وعندما اعتقلت للمرة الأولى في العام 1993 وكان بمناسبة تجمع عدد من الشباب العاطلين دعيت فيه إلى التعبير عن حاجتهم الى العمل، وكانت هذه تمثل سابقة في بداية التعبير السياسي.
* تقصد أنها كانت شرارة الانتفاضة؟
- البحرين مرت بظروف مختلفة، ومثل هذه القضايا تتحكم فيها التوازنات الإقليمية والدولية، وأي خطاب لا يمكن أن يكون ردة فعل، ولكن الظرف التاريخي ساعد على ذلك الحراك... الشيخ عبدالأمير بادر إلى الذهاب المباشر إلى وزارة الداخلية وطالب بالإفراج عني في اليوم نفسه، وأفرج عني بعد أن قضيت ليلة في الاعتقال.
وعندما اعتقلت مدة شهر ونصف في بداية الانتفاضة كان الشيخ الجمري هو الشخص الذي كان مكان الوالد والمعيل، ومن يحمل على عاتقه تسيير الأمور المالية وكان يتصل بالوالدة ويسدد حاجاتهم المادية ويرعاههم(...) من الطبيعي أن الإنسان يتكل على الله ولكن إذا وجد مثل الشيخ عبدالامير لا يحتاج الإنسان أن يقلق على أسرته، فهو كان يساعد كل الناس ويسعى لقضايا حوائجهم، ولكن حالة القرب الدائم تجعل به أعلم وأسبق فيه، وحتى قبل المعتقل كان يصرف علينا، وعندما دخلت المجلس النيابي طلبت إيقاف هذه المساعدة، وحتى من العام 1992 بعدما رجعنا من لندن كان سماحة الشيخ يريد تيسير الأمور المعاشية، كان يريد أن يكون الشيخ علي سلمان والمعممين الآخرين خدمة للدين ومبلغين ومحاضرين وأئمة جماعة.
* و لكن بعد مرور عام من وفاة الشيخ... هل تعتقد أن حلمه قد تحقق؟
- إن مطلب سماحة الشيخ الجمري منذ التسعينات بل وقبل التسعينات كان مطلب الإصلاح السياسي الذي يجعل من مشاركة الناس فاعلة وحقيقية، وفي الإيقاع الحالي متحقق هذا المطلب في صيغته الدنيا جدا، وهذا البرلمان اقل من الصيغ المطروحة في السابق سواء في برلمان 73 أو في مطلب التسعينات.
وكلمة سماحة الشيخ بأن «ليس هذا هو البرلمان الذي طالب به شعب البحرين» كانت كلمة حق وصدق، فمطلب الشيخ ومن خلفه جماهير هذا الشعب هو برلمان يتمتع بصلاحيات اكبر، وليس فقط الإصلاح في الجانب البرلماني إنما العمل على مواطن الإصلاح الأخرى وتكوين علاقة مستقرة بين النظام والشعب من خلال دولة مؤسسات وقانون، وكان الشيخ صادقا وسعى بكل ما أوتي من قوة من أجل هذه الرؤية.
لاتزال أمامنا طريق من المحطات لتحقيق رؤية الشيخ... رؤية الشعب، فالبحرين تقدمت في جوانب كثيرة مثل الاستقرار الأمني والحريات الدينية والسياسية وعدم التضييق على الناس في الأبعاد المختلفة، ولكن ما تحقق هو خطوة في طريق طويل أمام وصول البحرين إلى هذه الرؤى الإصلاحية المتقدمة.
العدد 1923 - الثلثاء 11 ديسمبر 2007م الموافق 01 ذي الحجة 1428هـ