العدد 1922 - الإثنين 10 ديسمبر 2007م الموافق 30 ذي القعدة 1428هـ

إيران المتوحشة و «إسرائيل» الوديعة!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

لا أحب أن يكون في أي مكان من العالم سلاح نووي يستعمل للأغراض العسكرية؛ لأني أدرك خطورة هذا السلاح على الجنس البشري؛ وأدرك أن في هذا العالم من يسيء استخدامه، ولكني أدرك أيضا أن من حق كل دول العالم أن تلقى المعاملة نفسها المتعلقة بامتلاك السلاح النووي وما يحرم على دولة يكون محرما على كل دولة أخرى بالقدر نفسه.

سلاح إيران النووي مازال يحتل مكانة بارزة من الاهتمام العالمي؛ لأن الولايات المتحدة ومن خلفها «إسرائيل» تدفعان باتجاه محاربة إيران والضغط عليها بكل الطرق؛ لكيلا تمتلك سلاحا نوويا؛ لأن هذا السلاح - كما يقول الأميركان - يشكل تهديدا مباشرا للأميركان ولحلفائهم!

الرؤية الأميركية للسلاح النووي الإيراني أعلنها وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في كلمته التي ألقاها في البحرين قبل بضعة أيام، إذ أكد أن إيران لاتزال تشكل خطورة على أميركا وعلى دول الجوار أيضا، أما «إسرائيل» فهي - بحسب رؤيته - لا تشكل أي تهديد لأحد وبالتالي إن سلاحها النووي يجب أن يكون بعيدا عن النقد!

أعجب من الذين حضروا كلمة الوزير الأميركي وسكتوا عن مناقشته والرد عليه بما يستحق، فإذا كان سلاح إيران الذي لم يخرج إلى الوجود ولايزال حديثا يقال إنه يشكل خطرا على أميركا ودول الخليج فلماذا لا يكون السلاح الإسرائيلي - الذي يعرف الجميع أنه سلاح نووي صالح للاستعمال العسكري - خطرا على دول الخليج بل كل الدول الإسلامية والعربية؟

ثم من خول الوزير الحديث نيابة عن دول الخليج؟ هل «يمون» على هذه الدول إلى هذه الدرجة؟

الذي أتوقعه أن الوزير الأميركي يريد أن يقول: «إن (إسرائيل) دولة حضارية لا يمكن أن تستخدم السلاح النووي بعشوائية، أما إيران فهي دولة متوحشة متخلفة وهي - حتما - ستستخدم هذا السلاح فيما لو امتلكته لإضرار البشرية ولهذا لابد من مقارنة إيران بكل الوسائل كيلا تحصل على هذا السلاح»!

مرة أخرى، كان بودي أن أحد الحاضرين ناقش الوزير في رؤيته الخاطئة على صور الواقع الذي نراه والذي يعرفه الجميع. فهل «إسرائيل» التي تمعن في قتل الفلسطينيين كل يوم دولة حضارية؟ وهل «إسرائيل» التي تمنع الدواء عن الأطفال والمرضى حتى يموتوا دولة تعرف الحضارة؟ وهل «إسرائيل» التي تمنع الوقود عن المستشفيات وتسجن مئات الأطفال والنساء دولة متحضرة؟ وهل «إسرائيل» التي تطرد السكان الأصليين من منازلهم وتقيم بدلا عنها مساكن لشذاذ الآفاق دولة متحضرة؟ وهل «إسرائيل» التي تخطط لطرد أكثر من مليون فلسطيني من ديارهم بحجة يهودية «إسرائيل» يمكن أن تكون دولة مساهمة لا تشكل خطرا على جيرانها؟

من حق الوزير الأميركي أن يقول ما يشاء، ولكن ليس معه حق من استمع إليه أن يكتفي بالإنصات؟ ألم يقل أحد لهذا الوزير إن بلاده هي أول بلد استخدم السلاح النووي ظلما وعدوانا من دون حاجة إليه؟ ألم يقتل سلاحهم الملايين في اليابان؟

ألم يقل أحد لهذا الوزير إن بلاده قتلت أكثر من مليون مسلم في العراق وأفغانستان ظلما وعدوانا وشرّدت الملايين من ديارهم؟

أين الحضارة التي يتحدث عنها؟ هل هي في بلاده أم عند الصهاينة؟

الأميركان يريدون أية حجة؛ لكي يتسنى لهم مهاجمة إيران خدمة لمصالح اليهود ليس إلا! وعندما نشرت الاستخبارات الأميركية تقديرها قبل بضعة أيام مؤكدة أن إيران أوقفت نشاطها النووي غير السلمي لم يقتنع السادة الحكام في أميركا بهذا التقرير وقال زعيمهم جورج بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس إن هذا التقرير لا ينفي أن إيران تبقى خطرا على العالم!

وأعلن نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني - الذي يقود الحملة ضد إيران - انزعاجه الشديد من هذا التقرير؛ لأنه - كما يقول - يؤخر الحملة التي يقودها ضد إيران.

إنهم يريدون أي مدخل - كما قلت - لمهاجمة إيران حتى لو كان هذا المدخل كاذبا. إنهم يعيدون قصة غزو العراق وسلاحه المتصف بالدمار الشامل الذي ثبت أن لا وجود له على الإطلاق، ولكنهم مع ثبوت أكاذيبهم لم يعتذروا إلى العراقيين عن الدمار الهائل الذي ألحقوه ببلادهم وإنما تمادوا في أكاذيبهم وأكدوا أن إسقاط حكم صدام حسين يبرر كل ما فعلوه.

تقرير الاستخبارات الأميركية أزعج اليهود كما أزعج الأميركان فقرر البنتاغون إرسال رئيس الأركان إلى «إسرائيل»؛ كي يطمئنهم إلى أن القوات الأميركية ستبقى منتشرة في المنطقة من دون أي تغيير؛ وكي يستمع منهم - كذلك - إلى معلوماتهم عن السلاح الإيراني. وهذه الخطوة تهدف أيضا إلى التنسيق بين الأميركان واليهود؛ للبحث عن اتهامات جديدة للإيرانيين.

يبدو أن الأميركان ومن خلال حرصهم على مؤتمر أنابوليس «الفاشل» ومن خلال تحركاتهم ضد إيران واجتماعاتهم مع المسئولين العرب يريدون تشكيل قوة ضاغطة على إيران وربما التمهيد لضربها، ويريدون في الوقت نفسه من العرب أن يقفوا معهم بحجة أن الإيرانيين يشكلون تهديدا قويا لدول الخليج خصوصا وللعرب عموما، كأن هؤلاء الأميركان حريصون على مصالح العرب عموما، وكأن المصلحة اليهودية غائبة عن حساباتهم!

الذي آمله ألا ينخدع العرب بهذا الكلام الكاذب ويتذكروا التاريخ السيئ للأميركان في هذه المنطقة، والذي آمله أيضا أن يتحدثوا إلى الإيرانيين مباشرة فهم أقرب لهم من الأميركان. هكذا أعتقد.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1922 - الإثنين 10 ديسمبر 2007م الموافق 30 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً