أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أمس أن الكويت طلبت شراء 80 صاروخا متطورا من نوع باتريوت مضادّا للصواريخ بقيمة 1,26 مليار دولار، الكويت لم تنفِ الخبر واكتفت في تصريح من مصادر رفيعة المستوى في وزارة الدفاع الكويتية لصحيفة «القبس» الكويتية بالقول: «ان الرقم مبالغ فيه، وإن الكويت تفاوض الولايات المتحدة لتعزيز قدراتها الصاروخية، لكن لم يتم التوصل الى اي نتائج وإن القيمة الفعلية التي يتم التفاوض عليها لا تتجاوز 65 مليون دينار».
بغض النظر عن حجم الصفقة، على رغم أن مبلغ 65 مليونا ليس بالرقم الصغير، يبقى السؤال الأهم هو هل تحتاج الكويت ودول مجلس التعاون الأخرى إلى أن تنفق مثل هذه المبالغ الطائلة على التسلح واقتناء الأسلحة التي تكلف موازنة الدولة مبالغ باهظة غالبا مّا تكون على حساب موازنات أخرى أكثر أهمية بالنسبة إلى المواطن مثل الصحة والتعليم؟.
لسنا بحاجة إلى سَوق الكثير من القرائن التي تدلل على عدم جدوى تكديس الأسلحة في دول صغيرة مثل دول مجلس التعاون، إذ تفقد الكثير من العوامل، من بينها التخلخل الديمغرافي، فاعلية أي سلاح بغض النظر عن تطوره أو كفاءته الدفاعية أو الهجومية التي يتمتع بها. حروب الخليج التي اندلعت خلال العشرين عاما الماضية تقضي بالأدلة القاطعة على مقولات دعاة التسلح، وتحديدا تلك المنادية باقتناء أكثر الأسلحة تطورا، ومن ثم أغلاها ثمنا، الأمر الذي يعني أيضا أعلاها عمولة مقابل تأمين صفقات الشراء.
ما يثير الاستغراب هنا هو أن موقف الكويت التسلحي هذا، يتناقض إلى حد مّا مع موقفها الآخر الريادي مقارنة مع دول مجلس التعاون الأخرى في فك ارتباط عملتها بالدولار، فقد قررت الحكومة الكويتية، وفي خطوة اعتبرتها بيوت المال جريئة للغاية، في يونيو / حزيران 2007 فك ارتباط عملتها الوطنية «الدينار» بالدولار والعودة إلى نظام «سلة العملات» لتحديد أسعار الصرف لديها. وحدث ذلك لأول مرة منذ العام 2003، بسبب التراجع الكبير لسعر الدولار والأثر الذي خلفه هذا التراجع على اقتصاد البلاد طوال العامين الماضيين.
وجاء القرار الكويتي الجريء هذا متحديا توصيات وتحذيرات مؤسسات عالمية مثل صندوق النقد الدولي الذي أصدر حينها دراسة حذرت الكويت، وبلهجة قاسية، من عواقب خطوة مماثلة، مع تأكيد انخفاض أسعار الصرف الحقيقية للعملات الخليجية بنسبة 12,5 في المئة، خلال الفترة من 2003 إلى 2006، بسبب سياسة ربطها بالدولار الأميركي.
لقد تحدت الكويت بقرار فك الارتباط كل الحجج التي كانت تروج إلى أن الارتباط بالدولار يوفر دعامة لاقتصادات المنطقة التي يتسم الكثير منها بكونها اقتصادات صغيرة ومفتوحة وغير ناضجة من الناحية المالية، والتي تستنتج من حتمية أن تستمر دول الخليج في استيراد أي مشكلات تعاني منها السياسة النقدية الأميركية.
وكان رئيس صندوق النقد العربي جاسم المناعي دعا أخيرا دول الخليج إلى التخلي عن ربط عملاتها بالدولار الأميركي المتراجع، مؤكدا أن محاولات رفع قيمة العملات لن تحل مشكلة تفاقم التضخم، وقال إن على دول التعاون اتباع إحدى سياستين: التعويم المحكوم لعملاتها، أو ربطها بسلة عملات، مؤكدا أن على تلك الدول أن تتبع نظام صرف قائما على أساس سلة الأوزان النسبية لعملات الشركاء التجاريين الرئيسيين لهذه الدول، ويضم اليورو والدولار والإسترليني والين، موضحا أن معدل التضخم عند أعلى مستوى في 10 سنوات في السعودية، وبلغ ذروته في 16 عاما في سلطنة عمان، وأعلى مستوى في 19 عاما في الإمارات، وهو يقترب من أعلى مستوياته على الإطلاق في قطر، وأشعل ارتفاع الأسعار شرارة مناشدات لزيادة الأجور في السعودية، ومطالبات بفرض قيود على الأسعار في قطر وسلطنة عمان، وأعمال شغب طلبا لأجور أفضل من عمالة وافدة في الإمارات.
ويؤثر انخفاض الدولار على دول المجلس تأثيرا مزدوجا: الأول هو انخفاض القيمة الحقيقية للدخل النفطي بنسب تعادل انخفاض الدولار، والثاني هو ارتفاع قيمة الواردات الواردة من دول خارج منطقة الدولار، ما يؤدي إلى زيادة معدل التضخم نسبيّا.
لقد وفرت الكويت الكثير من فك ارتباط عملتها بالدولار لكن واشنطن لن تدعها تستمتع بذلك الوفر، وستعمل على مصادرته بشراء السلاح بعد أن فشلت في امتصاصه عن طريق عملتها المتهاوية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1920 - السبت 08 ديسمبر 2007م الموافق 28 ذي القعدة 1428هـ