التحالف السياسي الرباعي حقق نجاحات كبيرة بالأمس كان له الصوت العالي والحراك السياسي المميز، وكان شريكا واضحا في تقرير المصير في الكثير من القضايا، وإنْ لم تتحقق كلّ أهدافه، إلا إننا لا يمكن التنكّر له ولأهميته في العمل السياسي، فعندما كان شابا حمل على عاتقه أهدافا طموحة واحدة وربما على رأسها المسألة الدستورية، الموضوع الأكثر جدلا والأكثر تعقيدا من بين الملفات السياسية الأخرى، يكفي أنّ الموقف منه فقط قد كلّف القوى السياسية الناشطة والبارزة في المجتمع السياسي أنْ تقاطع الانتخابات التشريعية 2002، كنوع من الاحتجاج على النكسة الدستورية، استطاعت وبكلّ جرأة أنْ توصل رسالتها وبكلّ وضوح إلى الجميع.

ولكنه وللأسف الشديد بدأت مظاهر الشيخوخة المبكّرة تزحف بشكل مفاجئ على نسيج التحالف الرباعي، مع بدء اتخاذ التحالف الرباعي قرارات تتعلق بالمشاركة في انتخابات 2006، ولاسيما أن مواقف المقاطعين اتجهت حينها إلى المشاركة ونيل استحقاقاتهم، عندها بدأ التحالف يتفكك بصورة عملية خصوصا بعد الاختلافات في المواقف والرؤى بشأن تشكيل قائمة وطنية واحدة. بعدها بدأت أعراض المرض السياسي تنتقل إلى التحالف الرباعي قادما لا أعرف تحديدا من أيّ مكان ولما حدث أنه فعلا صارت هناك عدوى وإصابة وظل التحالف الرباعي يصارع الموت طوال فترة الانتخابات، خصوصا أن هناك منظّرينَ على درجة عالية من الوعي السياسي، وهناك تحليلات وأرقام،وهناك خدع ومؤامرات تحيكها الحكومة أيضا. ولا يمكن للحكومة أصلا أنْ تفوّت الفرص على نفسها، فقد أرادت منذ زمن بعيد أنْ تضرب التحالف الرباعي وتقضي عليه لكن لم تكن خطواتها موفقة، وجاءت الانتخابات فعادت الفكرة من جديد، ولاسيما أنّ الدوائرالانتخابية موزّعة بطريقة غير ذات فائدة كبيرة للتحالف فأما لأنصار الحكومة وأمّا للوفاق والتيارات الليبرالية والعلمانية لا قواعد شعبية لها في غالبية الدوائر الانتخابية، فالنتيجة ربما تكون غير مغيّبة ولكن يبقى واجب المشاركة وإثبات الوجود صراع لابدّ منه وله مكاسب لا يمكن تغافلها.

وأرى بأن شهادة الوفاة قد أصدرت فور الإعلان عن نتائج الانتخابات الرسمية وفوز الوفاق بـ (17+1) مقعد، وخروج الحلفاء من المعركة الانتخابية بخفي حنين فقد فازت الوفاق بـ 18 مقعدا وفازت الحكومة بـ 22 مقعدا وخرج بقية التحالف بلا نصيب. سياسيا ما حدث ليس بصحيح إطلاقا وكان لابدّ من حساب ذلك حسابا رياضيا منطقيا بصورة أكثر عمقا ،فتركيبة المجلس غير متنوّعة، وهناك غياب لبعض التيارات وبالتالي التمثيل يكون ضعيفا، لكن لا أظن بأن كان على التحالف الرباعي أنْ يدفع ضريبة خروجه من المجلس وموقفه من القائمة الوطنية أنْ ينهي صلاحية التحالف الرباعي ككيان سياسي له ما له من الخطط والبرامج والمشروعات، لنختلف اليوم ولنتفق غدا وهكذا وإلا فإنّ المجاملة سيدة الموقف.لأنه ومن خلال مشاهدات الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين يرون بأن النتائج التي آل إليها التحالف الرباعي ومصيره قد يكون هناك اعتقاد بأن التحالف كان هشا وغير قوي على رغم أنه طوال فترة المقاطعة التي امتدّت لأربع سنوات أثبتت التجربة صموده وانسجامه المعقول تجاه الملفات السياسية بشكل عام والملف الدستوري والمقاطعة خصوصا.

ويحق لنا أنْ نطرح تساؤلا مهما هل من الممكن إعادة ترميم التحالف الرباعي وإرجاعه إلى سابق عهده؟ أو ذلك ضرب من الاستحالة؟ هل التحالف الرباعي إذا عاد سيكون بشكل مختلف كلّ الاختلاف عمّا كان عليه سابقا؟ سؤال أيضا يحتاج إلى تأمّل وتدبر، هل من الممكن أنْ يتشكل تحالف سياسي آخر على أنقاض التحالف الرباعي الذي تحلل لأسباب انتخابية تورّط بها الجميع من دون أنْ يتسببوا بها؟ هل يا ترى يوجد تجمع أو كيان لديه الاستعداد والمبادرة السياسية على لم صدع الاختلاف، والأخذ بالجميع من جديد؟ هل تستطيع حركة حق أنْ تقوم بهذا الدور؟ هل الوفاق مؤهلة للقيام بهذا الدور؟ وهل ستنجح إذا ما قررت فجأة أنْ توحّد صفوف التحالف؟ وهل هناك طموح لجعل التحالف كما كان سابقا خصوصا بعد مشاركة الوفاق؟ هل التحالف أصلا ضرورة أو أحد الخيارات السياسية المطروحة؟ أسئلة كثيرة مفتوحة تحتاج إلى توقف وإجابات عملية وواقعية، لا إلى مواقف وإجابات سياسية؛ لأنها حتما لن تستطيع أخذنا إلى حيث التحالف.

دعونا نقف على بعض التساؤلات ونبدأها بأكثرها جدلا على الإطلاق، وهي مسألة إنشاء تحالف سياسي آخر على أنقاض التحالف الرباعي المنحل، أرى بأنه أمر صعب جدا وغاية في التعقيد، لعدّة أسباب لعلّ أبرزها: النفسيات المريضة التي تولّدت بعد الانتخابات في صفوف القادة السياسيين وبالتالي قواعدهم الشعبية وأنصارهم، لا ننسى بأنّ إحباطات العمل السياسي ليس من السهولة تحللها لكثرتها من جهة وتعقد بعضها من جهة أخرى، فهناك دوائر انتخابية جامدة ومحبطة للغاية وبتركيبة معقدة والوضع يتجّه إلى سيئ، ملفات سياسية عالقة فضلا عن عدم تعاون القيادة السياسية وغلق باب الحوار، وموقف الوفاق من حلفائها في الانتخابات فالبعض يراها بأنها تخلّت عنهم ولم تعطهم فرصة الفوز بمقعد واحد على الأقل، وبالتالي لا ثقة بالوفاق بعد اليوم، الخوف كلّه أن يتكرر السيناريو من جديد مع انتخابات 2010 وبالتالي فإن ضربتين في الرأس توجع.

على رغم أنّ ما قامت به الوفاق لم يقم به أحد على الإطلاق لا تيارات سياسية أخرى ولا حتى الحكومة، ومع ذلك للوفاق حدود معيّنة تستطيع أنْ تتحرك فيها فهناك ضغوط أكبر أيضا من الشارع الوفاقي، فما قامت به كان معقولا سياسيا إلى حد كبير، دعمت وساندت وأعطت، لكن لا يوجد أحد على الأقل يقدّر للوفاق موقفها بل الجميع يعاتبها ويلومها ويتهمها بالأنانية وعدم الحكمة، رغم أنها قدّمت بعض المبادرات السياسية الانتخابية وإن كان ولابدّ أن نذكر فقد تنازلت عن إحدى الدوائر المضمونة لتدعم أحد الشخصيات السياسية المستقلة والمحسوبة على جمعية (وعد)، ودعمت الأمين العام لجمعية وعد والأب الروحي لتيار (وعد) وعضوة اللجنة المركزية لوعد، الأمر الذي لم تفعله أي من الجمعيات السياسية الأخرى، ولكن طبيعة الدوائر الانتخابية كانت مفتوحة وبالتالي صراعات التيارات باتت مفتوحة وكانت النتيجة لصالح الحكومة التي نافست الوفاق وتفوقت عليها فقد فعلت أكثر من ذلك عندما دعمت الشخصيات المستقلة في الدوائر الحسّاسة في قبالة الشخصيات الوطنية المدعومة من الوفاق وكانت الغلبة للشخصيات الحكومية