قبل أيام شعرت بمرارة التقاعد قبل أوانها، وذلك عندما وقف أمامنا معلمنا الأستاذ علي الشرقي ليودعنا مغادرا الصحيفة إلى حيث أجواء التقاعد والروتين الممل. هذا الرجل الكبير في كفاحه الثقافي والصلب في مبادئه اختنقته العبرة وهو يبوح لنا بصعوبة فراق زملائه فضلا عن قلقه من الفراغ.

الشرقي الذي أبعدته مقالاته الساخنة عن سلك التعليم في وزارة التربية قبل أكثر من 25 عاما بسبب انتقاداته الجريئة لمواطن الفساد فيها آنذاك، وجد لاحقا في صداقة الكتب ضالته، إذ أسس مكتبة «دار أهل البيت (ع)»، التي أثرت المجتمع البحريني ثقافيا في الثمانينات ومطلع التسعينات، قبل أن تضعضعها الملاحقات الاستخباراتية آنفا.

استقرت الأمور بمعلمنا في «الوسط» التي رأى فيها الحاضنة الحقيقية لما تبقى لديه من طاقة وعطاء بعد عمر حافل بالجهد والمشقات، فكان بمثابة الأب لموظفي الصحيفة الذين كان يعاملهم بروح الدعابة وينظرون إليه بعين التبجيل، حتى تعلموا منه روح التحدي والإصرار على الإبداع مهما تقدم العمر.

جلست معه قبل أيام من موعد التقاعد، نتناقش بشأن البدائل التي تشغر أوقات الفراغ، وخصوصا لمن هو في عمره، فعرضت عليه تجربة مركز بوري الشامل في تأسيس «ديوانية الديرة» التي تهتم برعاية المتقاعدين وكبار السن معنويا وثقافيا. الشرقي تنفس الصعداء حينها مرحبا بالفكرة، وبدأ العمل يومها على استنساخ التجربة في منطقته، لأنه سيكون المستفيد الأول. فتحيتَي إكبار للمعلم الشرقي ولمركز بوري الشامل على تجربته الرائدة.