استكمالا لما كتبناه في الحلقتين الأولى والثانية بشأن مسودة قانون المنظمات الأهلية الجديد، نستعرض ما ورد ضمن المالية تحت الفصل الخامس المادة (46 ): على المنظمة أن تودع أموالها النقدية باسمها الذي سجلت به لدى أحد البنوك المعتمدة وعلى المنظمة أخذ موافقة كتابية من الوزارة على مايأتي:
أ. فتح الحساب الجديد و فروعه . ب. تغيير البنك.
نقول إن المنظمات تسعى قانونيا لاكتساب الشخصية الاعتبارية حتى تكون قادرة على أداء معاملاتها القانونية بشكل مستقل ضمن حدود القانون مثل فتح حساب بنكي، توقيع العقود الخ. ولكن نص المادة (46) يلغي هذه الصفة القانونية عن المنظمات ويعتبرها قاصرا عليها أخذ الاذن من وليها القانوني (وزارة التنمية) لعمل أبسط المعاملات القانونية وهي فتح حساب. وبالتالي لانعرف مدى جدوى شرط التسجيل القانوني للمنظمات لاكتساب الصفة الاعتبارية.
ونوصي بإلغاء المادة (46) لتنافيها مع القانون المدني والدستور والمادة(7) من مسودة القانون الجديد .
أما المادتان ( 47 - 48) من مسودة القانون الجديد فهما تحددان مسألة جمع التبرعات وتمويل المنظمات بموافقة الوزارة.
(المادة47) تنص على أن إيرادات المنظمة تتكون من:
ج - الهبات والتبرعات التي تصرح بقبولها الوزارة.
د - إيرادات الحفلات والمعارض والأسواق الخيرية التي تقيمها أو تشترك فيها المنظمة بعد أخذ موافقة كتابية من الوزارة والجهات المختصة الأخرى.
و - أي موارد أخرى وفقا للقانون يوافق عليها مجلس الإدارة بعد أخذ موافقة الوزارة.
كما لا تجيز الوزارة للمنظمات الحصول على أموال من شخص أجنبي أو جهة أجنبية خارج المملكة ولا أن ترسل شيئا مما ذكر إلى أشخاص أو منظمات خارج المملكة إلا بإذن كتابي من الوزارة وفق نص المادة (48).
إن مسألة جمع التبرعات مسألة مهمة بالنسبة لأي منظمة مدنية إذ تعتمد بشكل كبير على تمويل أنشطتها على هذه التبرعات، وبشكل خاص المساعدات الخارجية. خصوصا بالنسبة للبحرين التي مازال فيها الأفراد والشركات أما غير واعين لأهمية التبرع لهذه المنظمات ودعمها وأما التبرع لبعضها من دون الآخر لأسباب سياسية ودينية. ما يوقع غالبيتها في ضائقة مالية لا يمكن حلها إلا عن طريق جمع التبرعات من خلال الأنشطة الخيرية وحملات جمع التبرعات واليانصيب وغيره من الأنشطة المشابهة. علاوة على الاعتماد في تمويل الأنشطة الكبيرة كعقد المؤتمرات وورش العمل التدريبية على الدعم المالي من المنظمات خارج البحرين.
وعليه يتضح أن المادتين أعلاه تعيقان عملية جمع التبرعات والتمويل بربطهما بشرط موافقة الوزارة وكتابيا، بطريقة بيروقراطية تعطل عملية التمويل وتؤثر على سير أنشطة المنظمات، ناهيك عن أن معايير رفض أو موافقة الوزارة على نوع النشاط غير مبينة.
والتوصيات التي نراها هي أنه من المناسب أن يسمح للمنظمات المدنية الرسمية القيام بأي نشاط أو مشروع لجمع التبرعات مادام لا يتعارض مع السلامة العامة، مثل الحفلات الخيرية الخ من دون حاجة إلى إذن من الحكومة أو مراقبتها المباشرة. أما فيما يتعلق بجمع التبرعات المباشرة من الأفراد أو المنظمات، أو تنظيم اليانصيب، فيجب أخذ تصريح بذلك من وزارة التجارة أو الجهة المعنية، لتفادي استغلال هذا الموضوع من بعض الأشخاص الذين يسعون لجمع الأموال على حساب المنظمات وسمعتها.
كما أنه بإمكان الوزارة المسئولة، تطبيق القوانين الخاصة بالاحتيال العام حسب قانون العقوبات في المملكة على الأفراد والجمعيات في حال تبين وجود احتيال في عملية جمع التبرعات. وما ينطبق على جمع التبرعات محليا يفضل أن يطبق على التمويل الأجنبي، إذ إن التمويل الأجنبي يمثل الجزء الأكبر من موازنة منظمات المجتمع المدني في البحرين، وأن فرض موافقة الوزارة كتابيا على هذا التمويل يدخل المنظمات في عملية بيروقراطية طويلة وعبثية ستكون نتيجتها تعطيل معظم أنشطتها وربما إلغائها بالكامل. وقد يكون هذا الإجراء هو خوف الوزارة من استخدام هذه الأموال في عمليات التخريب والإرهاب، إلا أن تقييد المنظمات بهذه الطريقة لن يوقف عمليات تهريب الأموال لتمويل الإرهاب ولكنه سيؤدي فقط إلى حرمان المنظمات الأهلية من أهم مصدر لتمويل أنشطتها.
حل المنظمة
في المادة (53) التي تنص على أنه يجوز إغلاق المنظمة إداريا بصفة مؤقتة لمدة لا تزيد على ستين يوما بقرار من الوزير، كما يحق للوزير التقدم بدعوى أمام المحكمة الإدارية المختصة بطلب حل المنظمة إجباريا في الحالات الآتية:
*إذا ثبت عجزها عن تحقيق الأغراض التي أنشئت من أجلها.
*التصرف في أموالها أو تخصيصها في غير الأوجه المحددة لها.
*تعذر انعقاد جمعيتها العمومية عامين متتالين.
*مخالفة للأنظمة القانونية المعمول بها في مملكة البحرين أومخالفتها لنظامها الأساسي مخالفة جوهرية.
*الحصول على أموال من الخارج.
*الانضمام لمنظمة خارج البحرين.
*القيام بجمع التبرعات بالمخالفة لهذا القانون.
*ويكون الإغلاق عن طريق وزارة الداخلية ويحق للمنظمة الطعن في الغلق المؤقت أمام المحكمة الإدارية خلال 15 يوما.
نقول إن النص الأول في المادة يعطي الوزير الحق في إغلاق المنظمة 60 يوما من دون قرار مسبب، ويعطي للمنظمات الحق في الطعن في القرار خلال 15 يوما. إن هذا النص من جملة النصوص الغريبة في القانون، إذ بإمكان الوزير خلق أي سبب لغلق المنظمات التي لا تكون على هواه أو لا تعجبه، ويعطي هذا النص سلطة مطلقة للوزير في حل المنظمات من دون سبب وبالإستعانة بوزارة الداخلية وكأن المنظمات المدنية منظمات إرهابية تحتاج إلى أقصى درجة من الردع.
أما القسم الثاني من المادة فهي تعطي الوزير الحق في حل المنظمة إجباريا بقرار من المحكمة، من دون أن يكون للمنظمات الحق في الدفاع عن نفسها أو اللجوء للمحكمة للطعن في القرار.
توصياتنا هنا هي أن القوانين توضع لخدمة المجتمع وليس العكس أي أن يقوم المجتمع على خدمة القوانين. إن حقوق المنظمات بهذه المادة قد انتهكت وعوملت وكأنها منظمات إرهابية وليست منظمات مجتمع مدني تأسست من أجل خدمة مجتمعها والارتقاء به. لذلك ننصح بحذف هذه المادة نهائيا. أو تعديلها بحيث تصاغ كالآتي: لايجوز إغلاق المنظمة إداريا بصفة مؤقتة أو حلها إلا بحكم من المحكمة الإدارية، وللمنظمة الطعن في الحكم.
بشأن العقوبات
أما بخصوص المادة ( 97) تحت الباب السابع الخاص بالعقوبات والناصة على ( في حال قيام المنظمة بدعوة أشخاص من الخارج لحضور الفعاليات والمؤتمرات التي تقيمها المنظمة الأهلية يجب تقديم موافقة من الجهات المعنية كما يجب أخذ موافقة تلك الجهات في حال طلب المنظمة الحصول على عمالة من الخارج)، نقول في ظل العولمة والانفتاح الثقافي، وتحول المنظمات إلى شبكات عالمية، يكون من الصعب فهم موقف الوزارة باشتراط موافقة الجهات المعنية أولا ( ولم تحدد هذه الجهات ) وتقديم الموافقة للوزارة لتوافق بدورها على حضورهم. وبذلك يكون من شبه
إقرأ أيضا لـ "زينب الدرازي"العدد 1912 - الجمعة 30 نوفمبر 2007م الموافق 20 ذي القعدة 1428هـ