استكمالا لما كتبناه في الحلقة الأولى بشأن مسوّدة قانون المنظمات الأهلية الجديد، نستعرض ما ورد ضمن عنوان الحقوق والالتزامات والإشراف الداخلي ونبدأ بالحقوق والالتزامات.
الغريب في الأمر أنّ العنوان (الحقوق والالتزامات ) الذي يفترض فيه أنْ يتكلم عن الحقوق والالتزامات، تقتصر نصوصه على التزامات المنظمات فقط من دون حقوقها، وتختزل الحقوق في موافقة الوزارة، (المواد 15 -16 -19).
إنّ مسالة العلاقة بين الوزارة المعنية ومنظمات المجتمع المدني علاقة دقيقة للغاية، ففي النهاية تعمل هذه المنظمات بشكل تطوعي ودورها كبير في سد الكثير من الاحتياجات المجتمعية التي تكون الدولة غير قادرة على تغطيتها في العادة، لذا يكون من المفضل أنْ تراعي الوزارة المعنية هذا الجانب في وضعها القوانين التي تُدار بها هذه المنظمات بحيث لا تكون مقيّدة لحركتها، وفي الوقت ذاته تكون هذه القوانين قادرة على مراقبة أداء المنظمات بشكل موضوعي، وبأسلوب إشرافي إرشادي وليس أبويا سلطويا ومتسلطا، كما نجد في المواد الآتية:
المادة (15): (يجوز للمنظمة أنْ تنظم أو تشترك أو تنتسب إلى أية منظمة أخرى بحسب أحكام هذا القانون يكون مقرها خارج البحرين، وتمارس نشاطا لا يتنافى مع أهدافها، بشرط إخطار الوزارة، ومضي ستين يوما من تاريخ الإخطار دون اعتراض كتابي منها).
وبالتالي تعيق هذه المادة ارتباط أغلب المنظمات بالمنظمات العالمية التي تعمل في المجال نفسه والتي تحتاج المنظمات في البحرين إلى خبرتها ودعمها سواء في جانب التدريب أو التمويل والنشاطات المشتركة. ويعطي القانون الأفغاني مثالا متقدّما في هذا الجانب (المادة 10) «يمكن لأية منظمة لأغراض القيام بنشاطاتها الحصول طوعيا على العضوية في المنظمات الدولية».
أمّا المادة (16): (يجوز للمنظمة أنْ تتلقى التبرعات سواء من الشخصيات الطبيعية أو الاعتبارية، ولها في سبيل تدعيم مواردها أنْ تقيم الحفلات والأسواق الخيرية والمعارض والمباريات الرياضية وغير ذلك من وسائل جمع المال، كل هذا بعد موافقة الوزارة).
نرى هنا من خلال نص المادة أنّ الوزارة حوّلت عملية تمويل المنظمات إلى عملية بيروقراطية شاقة تشترط موافقة الوزارة حتى على النشاط الخيري البسيط لجمع الأموال مثل: (طبق الخير أو الأنشطة الترفيهية) وتقيد المخالفين بعقوبات قاسية.
أما المادة (19) من القانون فهي تعطي الوزارة حق تشكيل لجنة لإدارة المنظمة لمدة محددة بقرار مسبب:
أ.إذا أصبح عدد أعضاء مجلس الإدارة غير كاف لانعقاده انعقادا صحيحا وتعذر لأي سبب من الأسباب تكملة النصاب القانوني.
ب. إذا لم يتم انعقاد الجمعية العمومية عامين متتاليين من دون عذر تقبله الوزارة.
ج. إذا ارتكبت الجمعية من المخالفات ما يستوجب هذا الإجراء ولم يرَ الوزير حلها.
بهذه المادة تعطى الوزارة نفسها الحق في حل مجلس الإدارة و تعيين لجنة مؤقتة،مع عدم تحديد مصدر اللجنة، مما يعطي الوزارة الحق في تعيين لجنة من خارج المؤسسة أو الاتحاد النوعي.
التوصيات فيما يخص الحقوق والالتزامات
- إنّ من حق أية دولة وضع الضوابط التي تراها مناسبة للصالح العام ولضبط عمل المنظمات بحيث لا تتداخل المصالح أو يستغل البعض المنظمات لمصالحهم الخاصة، إلا أنّ كل هذا لا يعالج بالتدخل العميق في عمل المنظمات، بحيث تفقد شخصيتها المستقلة وتصبح شبحا يعمل لصالح النظام. لذا يفضل إلغاء الفقرات التي تشترط موافقة الدولة في المادتين (15-16) وإلغاء البند (أ ) و البند ( ج ) من المادة 19. و جعل القضاء هو الحكم في حالة عدم تمكن الجمعية من انتخاب إدارة جديدة، على أنْ تكون اللجنة المؤقتة من جسم المؤسسة نفسها أو من الاتحاد النوعي. كما تعدل المواد( 20 -22-23) بما يتناسب مع التعديل في المادة 19.
جهاز الإشراف الداخلي في القانون الجديد
ألزمت مسوّدة القانون الجديد المنظمات بإضافة جهاز جديد إلى أجهزتها التنظيمية سمته (جهاز الإشراف الداخلي) بحسب نص المادة (23) (يجب أنْ يكون لكلّ منظمة جهاز للإشراف الداخلي تكون مهنته الرقابة الدورية على أعمال المنظمة ورفع تقرير مفصل يعرض على الجمعية العمومية في اجتماعاتها السنوية، على أنْ يوضح النظام الأساسي للمنظمة اختصاص أعضائه وطريقة ومدة تعيينهم وأسباب انتهائها. )
نقول إنّ مسألة وجود جهاز للإشراف الداخلي مسألة مهمة للمنظمات التي لا ترتكز في تأسيسها على عضوية الأفراد، وهي بذلك بحاجة إلى لجنة خاصة تتابع عملها وتكون مسئولة عن وضع تقاريرها السنوية. أما المنظمات التي تقوم على عضوية الأفراد فهي تعمل على تشكيل اللجان المتنوعة التي تقوم بالعمل وتضع التقارير ويكون المؤتمر العام هو الجهة الرقابية والذي له سلطة محاسبتها. وإن إلزام هذه المنظمات بجهاز إشراف داخلي سيوقعها في ازدواجية السلطة، حيث لم توضح المادة طبيعة سلطة الجهاز والجهة التي يكون تابعا لها، مجلس إدارة المنظمة أم جمعيتها العمومية.
أمّا المادة (21 ) فهي تعطي للوزير الحق في إدماج أكثر من منظمة تعمل لتحقيق غرض مماثل).
ونقول إنّ الأصل يتحدد في حق المنظمات التي تعمل لتحقيق غرض واحد أنْ تقرر الاندماج أو الاتحاد لتنسيق خدماتها وتقديمها بشكل أفضل وغير ذلك من الأسباب التي تصب في خدمة المجتمع المدني. وعليها فقط إخطار الوزارة بتعديل أوضاعها القانونية. إنّ نص المادة (21) على أن للوزير الحق في تقرير هذا الاندماج من عدمه يعتبر تدخلا في خصوصيات عمل هذه المنظمات ولا نعلم السبب الحقيقي الذي يدعو الوزارة للنص عليه، إذ إنّ هذه المنظمات موجودة بالفعل، ومصرح لها بالعمل وبالتالي أنْ يكون اندماجها يقرره الوزير بحسب احتياجات المجتمع، سبب غير مقبول ومردود عليه إذ إنّ تسجيلها وإضفاء الصفة القانونية عليها جاء نتيجة قناعة الوزارة بحاجة المجتمع لها.
التوصيات فيما يخص جهاز
الإشراف الداخلي في القانون الجديد
فيما يخص المادة ( 20 ) فإنّ جهاز الإشراف الداخلي يفيد للمنظمات التي لا تعتمد في تشكيلها على الأعضاء، بينما ينتفي سبب وجوده للمنظمات العادية لذا يجب إلغاء المادة (23 ) لانتفاء حاجتها بالنسبة للمنظمات الأهلية التي وضع هذا القانون لتنظيمها وهي منظمات تعتمد على عضوية الأفراد. كما ينبغي تعديل المادة (21) بحيث يكون من حق المنظمات التي تعمل لتحقيق غرض واحد أن تقررهي الاندماج لتنسيق خدماتها عن طريق الإخطار فقط دون أن يكون للوزير السلطة في منعها أو الموافقة عليها.
إقرأ أيضا لـ "زينب الدرازي"العدد 1908 - الإثنين 26 نوفمبر 2007م الموافق 16 ذي القعدة 1428هـ