لا أدري ما إذا كانت وزارة الصحة مدركة لأهمية الاستحواذ منذ الآنَ على تلك المساحات الفارغة قبالة مستشفى الطب النفسي بالسلمانية، فنظرا لشح الأراضي من جهة، وقابلية بعض الجهات الحكومية والوزارات المفرطة لصناعة حالات من الإحباط النفسي لدى الناس من جهة أخرى، يبقى الحق في العلاج النفسي على حساب الدولة حقا مقدّسا كالحق في الجنون.
الخوف كلّ الخوف، هو أنْ يعلن مستشفى الطب النفسي امتلاء الأسرّة ووصولها للطاقة الاستيعابية القصوى، خصوصا أنّ ردود الوزارات على مشكلات الناس تبشّر بالمزيد والمزيد من حالات الجنون « القلق» اليأس من الحياة خلال السنوات القليلة المقبلة. وعليه، تبقى مسألة ضمان العلاج النفسي على الأقل، الحق الأخير من حقوق المواطن التي نتمنى ألا يتم الإخلال بها أيضا.
قبل أيام، كان لي أن التقي بأحد الزملاء العاملين في إدارة العلاقات العامّة لإحدى الوزارات، الحديث بيننا كان صادقا ومفتوحا. في البدء، أعطيته المساحة الكافية من الوقت؛ ليعرض لي سياسة وزارته في الرد على مشكلات القرّاء عبر الصحف المحلية وكان واضحا لديّ أنني أقف أمام كتلة من الفهم الكلاسيكي لوظائف إدارة العلاقات العامّة والتي يشرف عليها الوزير بنفسه. لا يريد الوزير في وزارة هذا الصديق «شوشرة»، ويخاف من التقاطات النواب. يقول الزميل «المهم لدينا في إدارتنا هو لملمة الموضوع من الصحافة وإماتته هنا في مكاتب الوزارة، هذا ما يريح الوزير فقط».
حين تحدّثت مع الزميل عن التقنيات الحديثة لإدارة العلاقات العامّة، والتي تقتضي مصارحة الناس بشأن حدود الإمكانات الموجودة والموازنات المقررة، وحين عرضت عليه محطات مقارنة أثبتت هذه الطريقة نجاعتها فيها، أكد لي أنه «لقد عملت أكثر من خمسة عشر عاما في وزارات الدولة، واعتقد أنه من المستحيل أنْ يقبل وزير في البحرين بأنْ يخرج بيان صحافي من وزارته يتحدّث عن ضعف الإمكانات الموجودة أو أن الموازنة العامة لا تفي باحتياجات الوزارة، وأن ذلك ما يعطل مصالح الناس واحتياجاتهم».
لم يكن هذا الزميل الأوّل ممن التقيتهم من قطاع العاملين في العلاقات العامّة الحكومية، لكنه كان الأنموذج التقليدي إلى أبعد الحدود.
لا تكمن مشكلة إدارات العلاقات العامّة في بعض ردودها «الفارغة» فقط، بل عمدتْ مؤخرا إلى اتباع سياسة جديدة في التعامل مع مشكلات الناس، سياسة التطنيش.
إنّ الذي نحتاج إليه في البحرين، ليس أن يخرج لنا من الحكومة بيان أو تصريح يدعو الوزراء للاهتمام بمشكلات الناس، نحن أيضا، لا نحتاج إلى أنْ ندعو لتطوير مستويات العاملين في إدارات العلاقات العامّة وتكسير مفاهيمهم البالية، نحن نحتاج فقط، أنْ يخبرنا مسئول في وزارة الصحة بأن المساحات المقاربة لمستشفى الطب النفسي مشتراة لصالح المستشفى أملا في التوسعة. وليس أكثر.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1907 - الأحد 25 نوفمبر 2007م الموافق 15 ذي القعدة 1428هـ