الوعود التي قطعها النواب على أنفسهم في أثناء الحملات الانتخابية، والبرامج الدعائية في أثناء الانتخابات، والجولات الميدانية، والكلام الكثير الذي كان يُقال للناس في الخيام الانتخابية لم يتضمن إطلاقا موضوع قانون تقاعد للنواب! بل كان أكثر كلامهم المعسول يتضمن رفع مستوى المعيشة (زيادة الرواتب للموظفين والمتقاعدين). لعلّها تصب في خانة الخيانة والكذب تحرك النواب الآنَ على تقاعدهم وتحصيل الامتيازات والمنافع الخاصة، وكأنّ كل جمعية أضحت “حصالة” لكنز أموال وثروات الشعب المطحون.
الحصالات السياسية، مواردها المالية كثيرة، وتتكون من أوجه الخير الكثير الذي ينهمر عليها من الداخل والخارج. وبالتالي تقوم هي بتوزيعه بحسب الأنصبة المعتادة على المقرّبين من الدائرة المغلقة، يعني “ربوعهم ومحبيهم ومفاتيحهم الانتخابية”. وتتعدد العطايا والمنح وتختلف المسميات، فالرشوة مساعدة أو هدية! “يا كبرها” عند الله! والآن خرجت علينا تلك الحصالات السياسية بـ”فتنق” جديد وهو جلوس نوابها في بيوتهم مع استلامهم لمخصصات بدل مكتب؟! كيف يا سعادة النائب (الإسلامي) يحل لك أن تستلم بدل مكتب (750) دينارا وأنت جالس في بيتك؟ ألست أنت مَنْ تراقب الحكومة والوزارات لكي تصرف الموازنة فيما تم تحديدها لها من أوجه صرف، فلماذا أنت يا نائب تصرف المبلغ المحدد لبدل مكتب فيما ليس تم تخصيصه له؟!
هذا السؤال يعجز الإجابة عليه معظم نوابنا الأفاضل، ومَنْ قال إنّ النواب لا ينبغي نقدهم أو مناقشتهم فإنّه مخطئ بلا شك، فالعملية الانتخابية هي جزء من العملية السياسية المتعددة المسارات، ولا يمكن حصر العملية السياسية في الانتخابات أو العمل البرلماني فقط. ومن حق الناس أنْ تتحدث وتسأل وتراقب وتتابع أداء ممثلي الشعب تماما كما هو من حق الناس أن تتحدث عن أي شأن من شئونها العامّة.
ومادام النائب قد قبل أنْ يكون ممثلا للشعب فمن حق الناس الذين أنتخبوه أو لم ينتخبوه أنْ يكونوا متابعين لأدائه. وماذا يضير النائب أنْ يكون الناس له عيون وآذان وألسنة ناطقة بالحق؟!
على العكس من الحساسية الزائدة عن اللزوم لدى بعض النواب، فإنّ عناصر المجتمع الفاعلة يجب أنْ تتحرك وتبلور أعمالها على أرض الواقع، وليس صحيحا أنْ تنطلق تلك الجموع من مسألة ثأرية أو انتقامية أو نظرة ضيّقة، بل عليها أن تنطلق من قاعدة أوسع وأرحب، قاعدة المصلحة العامّة.
الكثير من الناس يبدأ بالتشكيك في عمل المراقبين الأهليين، تارة بأنه لم يكن لهم نصيب في الانتخابات السابقة وتارة بأن بينهم وبين النائب ثأرا معينا أو اختلافا أيديولوجيا محددا، في حين لا يذهب مَنْ يشكك بهؤلاء إلى أنه قد يكون النائب مخطئا بالفعل، أو انحرف عن بوصلة التمثيل الحقيقي للشعب؛ فبالله عليكم هل من المنطق أنْ يمثل نائب دائرة معيّنة ويجلس في دائرة أخرى ويقول: “اللي يبيني اييني”؟!، أو أنه يجلس في جمعية ذات سمت متشدد جدا ويقول: أنا أجلس في الجمعية الفلانية. َمَنْ يريد الناس ويريد أن يتعامل معهم مباشرة عليه فتح مكتب في الدائرة التي يمثلها، وليس ممارسة الهروب الكبير كما يفعل أكثرية النواب الذين لا مكاتب لهم و”لا همك الله”.
على نواب الحصالات السياسية (الذين استلموا مخصص بدل مكتب على خالي بلاش) إنْ كانوا يريدون إصلاح حالهم، وسحب الذرائع من منتقديهم في هذا الجانب القيام بفتح مكاتب، والالتحام بالناس بمختلف تلاوينهم وأطيافهم، ومناقشتهم بمختلف شئون المنطقة. هذا إنْ أراد النائب أنْ يكون صادقا مع الله - ولاسيما أنه يستلم مخصص بدل مكتب - وصادقا مع الناس.
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1905 - الجمعة 23 نوفمبر 2007م الموافق 13 ذي القعدة 1428هـ