تشير بعض البحوث والدراسات إلى أن كثيرا من المعلمين يخطئون في اكتشاف الموهوبين، وأنهم يرتكبون أخطاء كثيرة. من بين هذه الأخطاء على سبيل المثال: اختيار أطفال يعتقدون أنهم موهوبون ثم تثبت نتيجة الاختيار العقلي عكس ذلك، أو أنهم أحيانا يستبعدون أطفالا ثم تثبت الاختبارات أنهم موهوبون فعلا.
وربما ترجع أسباب خطأ المعلم في اكتشاف الموهوبين إلى مجموعة من الأسباب، لعل أبرزها أن المعلم لا يعرف آليات الكشف والتعرف إلى التلاميذ الموهوبين، وهو على كل حال معذور في ذلك، فكيف له أن يعرف وهو أصلا لم يُدَرَّب على ذلك، فقد نجده يبحث عن قدرات معينة في الطفل ظنا منه أن تلك القدرات هي من سمات الموهوبين وخصائصهم، ويكون مخطئا في تقديره.
لا ننسَ أن بعض الموهوبين لا يكشفون أصلا عن ذكائهم في الصف، وبالتالي لا يدرك المعلم مواهبهم، كما أن بعضهم يمقت النمطية والامتثال للأنظمة ولا يستجيب للإرشادات فهو ليس بالضرورة مطيعا ومنظما، فيظن المعلم أنه من الحالات المشكلة أو التلاميذ المشاغبين المشاكسين غير المهتمين بالدراسة ولا الجوانب التحصيلية، علاوة على أن هناك فئة أخرى من الموهوبين لا يهتمون بالنشاط في الصف ولا يشتركون فيه، فيعتقد حينها المعلم أنهم من ذوي التفكير والإدراك البطيء أو ذوي صعوبات التعلم، وقد يكون عدم اهتمامهم مبررا ومنطقيا ولكنه يحتاج منا إلى تأمل وتدبر.
ببساطة نقول: لا يوجد في البرنامج المدرسي ما يتحدى قدراتهم وإمكاناتهم؛ لذلك نجدهم غير مبالين بالتفاعل ولا المشاركة الفعالة في أنشطة الصف المختلفة، وذهنهم دائما في مكان آخر غير كل ما يدور في الصف من نشاطات.
يظن المعلم أحيانا أن الطفل الموهوب لابد أن ينحدر من بيئة مركزها الاجتماعي فوق المتوسط، وأن والديه متعلمان وفي مهن فنية عالية؛ ولذلك نجد بعض المعلمين يهمل أحيانا أبناء الطبقة الفقيرة وخصوصا إذا ما كانوا يرتدون ملابسَ متواضعة.
هناك أيضا أسباب أخرى لعدم تعرف المعلم إلى التلميذ الموهوب، منها تكدس الصفوف وازدحامها بأعداد كبيرة من الطلبة قد يصل إلى 30 طالبا في الصف الواحد وربما يزيد قليلا في بعض المدارس ليصل إلى 35، علاوة على ازدياد نصاب المعلم من الحصص التدريسية ولاسيما معلم الفصل الذي يصل نصابه إلى 22 حصة أسبوعيا؛ وهذا يجعل يصعِّب على المعلم الإلمام بطلبته من حيث ظروفهم وقدراتهم وهوايتهم وميولهم. فعلى رغم وجوده معهم في غالب الأوقات فإن كثرة أعباء العمل تجعله لا يفكر سوى في كيف ينهي المنهج المقرر عليه ولا شيء غير ذلك.
ويعتمد حكم المعلم على طلبته على نجاحهم وتفوقهم في المناهج الدراسية، وفي كثير من الأحيان لا توافق هذه المناهج هوى الطلبة ولا تشبع ميولهم ولا تكشف قدراتهم، فالنتيجة أن ينصرف الموهوب عن هذه المناهج؛ لأنها رتيبة ومملة من وجهة نظره، إلى جانب قصور الأساليب والوسائل التي تستخدمها المدرسة فالمعلم يكاد يعتمد فقط على الملاحظة الشخصية، والتحصيل الدراسي في الحكم على الطلبة، ويترتب على قصور المدرسة وفشلها في اكتشاف الموهوبين، وتنمية موهبتهم وتشجيعها، أن يضيّع الموهوبون أوقاتا طويلة في أداء ما يعهد إليهم من أعمال وأنشطة لا تتحدى قدراتهم وتفكيرهم، فيفقد الموهوبون ميلهم وحماسهم للعمل، وبالتالي يفقد المجتمع ما كان من الممكن أن يساهم به هؤلاء في ميادين الاختراعات والاكتشافات فيما لو أتيحت لهم الفرص المناسبة لتنمية مواهبهم إلى الحد الأقصى، على حين تقديرات المعلمين وسيلة ضرورية ولا يمكن الاستهانة بها في الكشف عن التلاميذ الموهوبين.
على رغم عدم إدراك المعلمين مفهوم الموهبة الصحيح، يبقى بالإمكان تطوير قدرات المعلمين وتحسين أدائهم من خلال إخضاعهم لدورات تدريبية قصيرة، يتعرفون من خلالها إلى الجوانب المختلفة التي يجب الاهتمام بها أثناء عملية التقدير، وبالتالي إن المعلمة يجب أن تكون ملمة بموهبة الطفل وخصاله واحتياجاته النفسية والأسلوب التربوي التعليمي الملائم معه بصفته فردا.
ليس المعلم فقط من يجهل مفهوم الموهبة، فليس هناك اتفاق أصلا على من هو الموهوب، وكل واحد يغني على ليلاه، فكل مجتهد له تعريفه الخاصة بالموهبة والموهوبين، وبالتالي تتعدد الأساليب في الكشف عنهم. يجب على وزارة التربية والتعليم أيضا أن تتفق على مفهوم محدد للموهوب وتدرب المعلمين على البحث عنهم، وعلى جامعة البحرين أن تضع مناهج الموهبة والتفوق في حسابها، حتى لا تخرّج معلمين بعد اليوم لا يفقهون فقه الموهبة والتفوق، فعليهم تنعقد الآمال والجميع يترقب ماذا سيكون عليه مستقبل أطفالنا الموهوبين.
استرحنا من رحلة الكشف إذ ترعرعنا بعيدا عن ضجيج الموهبة، وأظن أن الزمن قد مسح عنا آثارها وردمت بمعول الإهمال، ولكن لا نريد ذلك أن يكون مستقبل أبنائنا؛ فهم كل المستقبل.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1905 - الجمعة 23 نوفمبر 2007م الموافق 13 ذي القعدة 1428هـ