العدد 190 - الجمعة 14 مارس 2003م الموافق 10 محرم 1424هـ

الإدارة الأميركية لن تفعل شيئا يعارضه شارون

سؤال عبري: «هل تختفي المسألة الفلسطينية من الأجندة الدولية إذا تم التخلص من عرفات»؟...

أمنة القرى comments [at] alwasatnews.com

.

شغلت الصحف العبرية مسألة اختيار أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير محمود عباس «أبو مازن» رئيسا للوزراء في السلطة الفلسطينية كما شغلت المراقبين الإسرائيليين قضية اغتيال القائد السياسي البارز في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الشهيد إبراهيم المقادمة، وفي حين انبرى وزير الحرب في حكومة شارون شاؤول موفاز لتبرير جريمة اغتيال المقادمة، عكست الصحافة العبرية مدى القلق الذي أثارته عملية الاغتيال وتساءلت عن جدوى هذه العملية التي تهدد من جهة بإضعاف السلطة الوطنية في وقت تنطلق القيادة الفلسطينية في تنفيذ إصلاحات احد شروطها - التي وضعتها الادارة الأميركية و«الإسرائيلية» - تعيين رئيس للوزراء في السلطة، وتهدد من جهة أخرى، بإثارة صراع بلا هوادة بين جيش الاحتلال وفدائيي حماس...

ولم تغب عن أذهان المحللين الإسرائيليين خلال التعرض للمسألتين قضية استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين أو على وجه الدقة مستقبل العلاقة مع الفلسطينيين، فالحرب الأميركية المحتملة ضد العراق تبعد الأنظار عن الجرائم الإسرائيلية المتمادية ضد الفلسطينيين، وتلغي، على الأقل إلى حين، المطلب الدولي الداعي إلى اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية. وعلى رغم تأييد أرييل شارون ظاهريا لـ «خريطة الطريق» التي وضعتها اللجنة الرباعية المؤلفة من الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإن الأكثر من مئة تعديل التي طرحها شارون بشأن الخريطة تعني عمليا رفضه لها. وهذا يجعل من الحرب ضد العراق فرصة للقضاء حتى على «خريطة الطريق». ويرى قادة «إسرائيل »ان الفرصة سانحة لهم اليوم أكثر من أي وقت مضى، سواء بسبب تصاعد الخلاف بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى، أو بسبب انصراف العالم للاهتمام بقضية الحرب في العراق.

ورأت هآرتس، في مقالها الافتتاحي انه عشية الحرب الأميركية المرتقبة ضدا العراق، والتغييرات المهمة الحاصلة داخل السلطة الفلسطينية، في إشارة ضمنية إلى انتخاب رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، فإن اغتيال أحد قادة حماس، يمكن أن يعتبر تصعيدا إسرائيليا متعمدا، مطالبة الحكومة الإسرائيلية بتقديم شروحات وتوضيحات وافية عن هذه العملية. واعتبرت هآرتس، ان الجهود الإسرائيلية المتواصلة لوقف الهجمات «الإرهابية» لا تستطيع استئصال «الإرهاب»، ولكنها تساعد في إنقاذ حياة بعض الأشخاص. إلا انها نبهت إلى وجوب التفكير مليا قبل استهداف أشخاص يتمتعون بموقع سياسي وبشعبية واسعة، في إشارة إلى المقادمة. ورأت ان الأسابيع القليلة المقبلة ستُظهر ما إذا كان اغتيال المقادمة، عملا حكيما أم لا. إلا انها استدركت قائلة، انه في كل الأحوال فإنه يبدو واضحا ان الحملة العسكرية ضد «الإرهاب» لن تكون فاعلة جدا إذا أجلت حكومة ارييل شارون، عرض خطة تسوية على القيادة الفلسطينية تتضمن استعدادا إسرائيليا واضحا لتقديم تنازلات، بما فيها الانسحاب من الأراضي الفلسطينية وإخلاء المستوطنات اليهودية.

واعتبر عاموس هاريل في «هآرتس»، ان توغل جيش الاحتلال في غزة وتصفية المقادمة، ردا على عملية تفجير باص الركاب في حيفا الأسبوع الماضي، ما كانا ليتما لولا تلقي تل أبيب ضوءا أخضر من واشنطن لتقوم بما يحلو لها، شرط عدم المساس بالمدنيين الفلسطينيين تحت غطاء حقها المشروع في الدفاع عن نفسها. وأشار إلى أن الإدارة الأميركية لم تمارس أي ضغوط على الحكومة الإسرائيلية لوقف عدوانها على غزة، وأن تنديدها بقتل المدنيين في مخيم جباليا لم يكن سوى ضريبة كلامية دفعتها لأصدقائها الأوروبيين والعرب «لكنها في واقع الأمر لم تمارس أي ضغط حقيقي»، ما جعل «إسرائيل» تستنتج ان يد الجيش طليقة في مواصلة عملياته حتى بعدما تبدأ الطائرات الأميركية تفجير بغداد.

من جانبه، تساءل عكيفا إلدار في «هآرتس»، عن الحكمة وراء إصرار شارون على إجراء إصلاحات داخل السلطة الفلسطينية اليوم؟ فرأى ان ربط استئناف عملية السلام بشرط تعيين رئيس للوزراء الفلسطيني، يعيد إلى الذاكرة المناورات التي سبقت مؤتمر السلام في مدريد في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1991. مُذكّرا بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحق شامير، طالب بمشاركة كل الدول العربية وتحديدا سورية ولبنان كشرط أساسي للتفاوض مع الوفد الفلسطيني الأردني المشترك. كما ذكَّر إلدار، بأن شامير كان يراهن حينها، على عدم مشاركة سورية استنادا إلى معلومات استخباراتية أكدت ان الرئيس الراحل حافظ الأسد، سيبقى بعيدا عن عملية السلام التي لن تضمن عودة الجولان إلى سورية. إلا ان الأسد شارك. وتساءل إلدار، ما الحكمة وراء إصرار شارون، على إجراء إصلاحات داخل السلطة الفلسطينية اليوم؟ فهل تبنى رئيس الوزراء مقولة صديقه، رئيس جهاز الموساد السابق شبتاي شافيت، الذي كان قد أكد في حديث إلى صحيفة «يديعوت أحرونوت»، في العام 2001، انه «إذا تم التخلص من ياسر عرفات، فإن المسألة الفلسطينية ستختفي من الأجندة الدولية»؟ وخلص إلى القول انه يجب على شارون اليوم أن يثبت ان مسألة «الإصلاح» داخل السلطة الفلسطينية ليست رهانا، القصد منه «إصلاح» ما «خربه» شامير، وان رئيس الحكومة ينوي فعلا تقديم شيء للفلسطينيين.

لكن الجواب الشافي على أسئلة إلدار، جاء في مقالتين واحدة أميركية وأخرى إسرائيلية، فقد نقلت «نيويورك تايمز» عن مسئولين أميركيين ان إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش قررت تجميد «خريطة الطريق» التي وضعتها اللجنة الرباعية المؤلفة من الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يصب في المصلحة الإسرائيلية. وقالت ان المفاوضات التي ترمي إلى تنفيذ «خريطة الطريق» كانت تمضي قدما بين الولايات المتحدة واطراف اللجنة الآخرين طوال سنة تقريبا، لكن الإدارة تعرضت لضغوط متزايدة أخيرا في شأنها في الوقت الذي ازدادت فيه احتمالات شن حرب محتملة على العراق. ونقلت الصحيفة الأميركية عن مسئولين أوروبيين ان بوش قد غيَّر رأيه وصار يعتبر ان تعهد ديسمبر/ كانون الأول غير واقعي، وقال أحدهم: «علينا أن نواجه الحقيقة، ان خريطة الطريق ميتة، فالإدارة الأميركية لن تفعل شيئا يعارضه شارون. ولفتت إلى ان مصدرا أوروبيا آخر، نبه إلى ان إعلان «خريطة الطريق» كان الأمل الوحيد الباقي في أوساط مسلمي الشرق الأوسط، محذرا من انه من دون هذا الأمل، فإن قوة المتطرفين ستنمو وتتعزز بشكل كبير.

وإذ كرر ألوف بن في «هآرتس»، المعلومات التي نشرتها «نيويورك تايمز» عن تأجيل إدارة بوش الخريطة، نقل عن مصادر دبلوماسية لم يحدد هويتها ان الإدارة الأميركية، قررت تأجيل الإعلان عن «خريطة الطريق» إلى ما بعد الحرب المرتقبة ضد العراق. وأوضحت المصادر ان اهتمام الإدارة الأميركية منصب في الوقت الراهن على العراق، وهي تفضل الانتظار حتى تصبح الظروف ملائمة للتدخل لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. لكن بن، لفت إلى ان رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون، ينوي مناقشة التعديلات الإسرائيلية على «خريطة الطريق» مع الإدارة الأميركية بعد استقرار الوضع في العراق. مشيرا إلى ان الولايات المتحدة تخطط بعد الانتهاء من المسألة العراقية، ترؤس فريق المراقبة الدولية الذي سيتابع طريقة عمل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لتطبيق الجزء المتعلق بكلّ منهما في «خريطة الطريق».

وفيما استعرض عوزي بنزيمان في «هآرتس»، الاختلافات في وجهات النظر بين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في شأن انعكاسات حرب العراق على إسرائيل. لفت إلى ان جهاز «الشاباك» له تقديرات مختلفة عن الجيش. فهو يمتنع عن التنبؤ بانعكاسات الحرب ويركز على جمع المعلومات العملانية المتصلة باحتمال أن تؤدي الضربة الأميركية إلى أعمال تخريبية جديدة في الضفة وغزة. والاستنتاج الذي توصل إليه حتى الآن هو عدم وجود خلايا نائمة إضافة إلى ان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لن يختفي من الساحة الفلسطينية، وسيبذل كل ما في وسعه للمحافظة على نفوذه. وليس هناك ما يؤكد ان الحرب على العراق ستحدث ردود فعل تؤدي إلى تغييرات في تركيبة الزعامة الفلسطينية بحيث تصبح مستعدة للتوصل إلى وقف للنار ومفاوضات سياسية. فالإرهاب الفلسطيني ليس مرتبطا بعرفات وحده، لذلك فطرده من الحكم أو إلغاء نفوذه، لن يؤديا حتما إلى وقف العمليات المعادية لإسرائيل. لكن هذه التقديرات تختلف عن النظرة السائدة للجيش الإسرائيلي والتي تتبناها القيادة السياسية. فأرييل شارون وشاؤول موفاز ينتظران بفارغ الصبر الحرب الأميركية على العراق مفترضين انها ستؤدي إلى تغييرات مذهلة في علاقة العالم العربي بالارهاب بما في ذلك الارهاب الفلسطيني. وقيادة الجيش لا تتحدث فقط عن نتائج قريبة في الزعامة الفلسطينية وعلاقتها بإسرائيل، بل عن فرصة معاودة العلاقات مع دول في شمال إفريقيا والخليج الذي يخلص إلى ان قيادة الجيش متفائلة بتحول كبير سيؤدي إلى عزل عرفات ووقف النار وبدء العملية السياسية والانتعاش الاقتصادي. وتنبؤات الشاباك أقل تفاؤلا. وخلال أسابيع سنعرف الأقرب إلى الواقع.

لكن صحيفة «الغارديان» البريطانية رأت ان ميل الأطراف في الأزمة العراقية، نحو استغلال أو استعمال النزاع الفلسطيني لمصالحها الخاصة يثير الريبة. معتبرة ان المزج بين مسألتين معقدتين يقلص الآمال بالتوصل إلى حلول سلمية لكلا المسألتين. واعتبرت ان الطريق نحو تسوية النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي لا يمر عبر بغداد، كما قال الرئيس الأميركي جورج بوش، وإنما عبر مفاوضات ومحادثات غير مشروطة بين الجانبين. ورأت أخيرا انه إذا لم تعالج أزمة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي بجدية، وباهتمام بالغ، فإن الحرب الأميركية المرتقبة ضد العراق وإعادة إعماره، ستضيف أسبابا أخرى للاستمرار في سياسة التجاهل الخبيث لهذه المسألة.

ألا يبدو محقا السؤال الذي طرحه صاحب «النهار» البيروتية غسان تويني: هل ثمة من يصدق حقا ان أميركا الامبراطورية، قادرة على أن ترتد، بعد العراق صوب القدس وفلسطين لتطرح، وإن بحد أدنى من الصدقية والعدالة، حلا سلميا مقبولا، لا يكون بدوره منطلقا لحروب أخرى؟..

العدد 190 - الجمعة 14 مارس 2003م الموافق 10 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً