العدد 19 - الثلثاء 24 سبتمبر 2002م الموافق 17 رجب 1423هـ

قراءة سياسية للاستراتيجية الأميركية قبل ضرب العراق

أبعد من قضية مياه الوزاني في الجنوب اللبناني

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

من حق لبنان الاستفادة من نهر ينبع من اراضيه، وخصوصا ان هناك اتفاقا في هذا الخصوص رعته الولايات المتحدة في وقت سابق. من حقه ايضا، ان يحيي هذا الاتفاق، اذا لم تكن الظروف السابقة مؤاتية، بسبب الاحتلال العسكري الاسرائيلي لجنوب لبنان. هذا حق معترف به، ولا نزاع في شأنه. لكنه يقال: «ان الحق من دون قوة تحميه، هو عجز. والقوة من دون حق مشروع، هي طغيان». هكذا هو الوضع ما بين اسرائيل ولبنان فيما خصّ الكثير من الامور، وخصوصا موضوع الوزاني في هذا الوقت تحديدا. فالحق إلى جانب لبنان، لكنه اضعف من اسرائيل عسكريا. فكيف السبيل إلى تحصيل الحق الضائع؟

بما ان العلاقة هي ما بين قوي وضعيف، كان لابد من العمل بالمقولة التي تصف السياسة بأنها فن الممكن. كذلك الامر، لابد من العمل، وبدقة متناهية لاختيار التوقيت والطريقة. فماذا عنهما؟

- تتهم إسرائيل لبنان بأنه يسعى لجرها إلى حرب في قطاعها الشمالي. وتعتبر ان العمل الحالي على الوزاني في جنوب لبنان، إنما هو من ضمن مخطط شامل، يبدأ من عدم الاعتراف الكامل للمقاومة بالخط الازرق، إلى محاولة تحرير مزارع شبعا.

كل هذا، لابقاء الوضع متوترا في الجنوب، لاهداف سورية وايرانية مشتركة.

تعتبر إسرائيل ايضا، أن لبنان يبتكر الاعذار لحشرها، خصوصا بعد ان اصبحت الضغوط على المقاومة في لبنان كبيرة إلى درجة أدت إلى تراجع العمليات في مزارع شبعا. وتعتبر إسرائيل، ان سورية قد تكون وراء هذا المشروع، بهدف توتير الوضع لتأخير، أو إلغاء الضربة للعراق. فضرب العراق، قد يشكل كارثة على سورية، لأنها تعتبر ان المحاولات والمشاريع الاسرائيلية والاميركية في المنطقة، تسير بشكل قد يؤدي إلى تعديل مقولة هنري كيسنجر التي كانت تقوم على: «لا حرب من دون مصر، ولا سلام من دون سورية»، لتصبح على الشكل الآتي: «لا حرب من دون مصر، وهناك سلام من دون سورية». فالسلام من دون سورية قد يعني عدم عودة الجولان، وعدم حل القضية الفلسطينية بشكل عادل بحسب ما ترغب فيه دمشق.

ماذا عن التوقيت؟

- تبدو اعمال الضخ الحالية اكبر حجما من الاعمال التي جرت منذ اكثر من عام مضى. لذلك، اتى التوقيت اللبناني الحالي، مثاليا وقد يعتبر «ضربة معلم»، وذلك بغض النظر عما قد ينتج هذا المشروع من مفاعيل سلبية على لبنان. لكن كيف؟

أتى توقيت المشروع في الجنوب في وقت تشهد المنطقة تطورات جذرية. فأميركا تحاول تغيير النظام العراقي بالقوة. وهي تريد المزيد من الحلفاء خصوصا من الدول العربية. كذلك الامر، تريد اميركا ابقاء إسرائيل خارج هذه الحرب، على ان تبلغها فقط بساعة الصفر. وهي (اي اميركا)، قد تضطر للانتشار عسكريا في غرب العراق لمنع اطلاق الصواريخ على إسرائيل. تريد اميركا في هذا الوقت الهدوء التام على كل النقاط الساخنة بين العرب وإسرائيل. ويمكننا القول حاليا، ان إسرائيل حققت حتى الآن انتصارا كاسحا على السلطة الفلسطينية. وبدت الساحة خالية لها وصولا إلى محاصرة عرفات في مقره.

فشارون يحاول استغلال نجاحه العسكري بمساعدة اميركا والعرب على حد سواء.

من هنا تبدو إسرائيل محشورة في كيفية الرد على المشروع اللبناني. فهي ان صعدت، ستلومها اميركا وتضغط عليها. وستعتبرها تحاول اجهاض مشاريعها الاستراتيجية في المنطقة. لذلك، وبعملية حسابية بسيطة وعقلانية، يعتبر شارون ان ضرب الاميركيين للعراق سيكون اكثر إفادة لاسرائيل استراتيجيا وعلى المدى البعيد. من هنا لن يعمد شارون إلى الرد عسكريا على لبنان، فيكون بذلك التوقيت اللبناني مثاليا. وقد يهدف التهديد الاسرائيلي فقط إلى فتح الحوار مع لبنان. ففتح الحوار قد يؤدي إلى خفض حدة التوتر في مزارع شبعا، فتكون إسرائيل حققت عدة اهداف من تهديدها.

هل يشكل المشروع اللبناني خطرا على الأمن المائي الاسرائيلي؟

- يذكر ان إسرائيل خاضت غالبية حروبها على الماء وبسببه. لكن الماء ليس كل شيء، خصوصا مع التكنولوجيا الجديدة التي توفر الحلول الناجعة لمشكلات النقص في المياه. وقد تكون تحلية المياه إحداها، هذا إلى جانب امكانات استيراد المياه من الحليف الاساسي في المنطقة، تركيا. وتقدر كلفة تحلية المتر المكعب من الماء حوالي 6,0 د. أ. ولا يعتبر هذا المبلغ كبيرا على دخل قومي سنوي إسرائيلي يفوق الـ 110 مليارات دولار اميركي. وتقدر كلفة التحلية لاسرائيل حوالي الـ 480 مليون دولار اميركي ضمنا الفلسطينيين، و330 مليون دولار من دون الفلسطينيين. إذا ما هو سبب القلق الاسرائيلي؟

لا تريد إسرائيل ان يمر الامر بسهولة. فقبولها الضمني، قد يعني تراجعا من قبلها، وهي لا تريد ان يشكل هذا الامر سابقة في قطاع المياه، بعد ان شكل انسحابها من جنوب لبنان سابقة في المجال العسكري. وقد يشكل الامر مزيدا من تآكل ردعها، خصوصا بعد ان حاولت استرداده من خلال عملية «الجدار الواقي» ضد السلطة الفلسطينية.

إذا نجح المشروع اللبناني في الجنوب، قد يعني هذا الامر مزيدا من السكان على الحدود الاسرائيلية (مع نسبة ولادة مرتفعة)، ومزيدا من التنمية والازدهار، ليشكل هذا الوجود تهديدا امنيا في وقت لاحق. فتوافر المياه يعني ثباتا وتنمية بشريين. وهذا الثبات، قد يشكل عائقا للمشاريع الاسرائيلية في جنوب لبنان التي اعتمدت غالبا على استعمال القوة العسكرية. وقد يعاكس الوجود البشري على الحدود، ما بشر به شمعون بيريز في كتابه «الشرق الاوسط الجديد». فهو اقترح ان تكون المعامل والمصانع على الحدود، لأن وجودها على الحدود قد يمنع الدول العربية من الذهاب، أو حتى التفكير بالحرب. كذلك الامر، قد يشكل الثبات البشري على الحدود مع إسرائيل معضلة ديموغرافية جديدة، تضاف إلى المعضلة الديموغرافية في الداخل، هذا اذا ما اعتبرنا ان هواجس اريل شارون هي: الجغرافيا، الطوبوغرافيا، الديموغرافيا. تتمثل الجغرافيا، بضرورة الاحتفاظ بالجولان مثلا. والطوبوغرافيا، بضرورة اقامة المستوطنات الاسرائيلية في أماكن حيوية استراتيجية في الضفة والقطاع. أما الديموغرافيا، فهي تتمثل بالتزايد السكاني الفلسطيني. هل يكفي ان يطالب لبنان بحقه في المياه استنادا إلى الحقوق المشروعة، من دون تحصين هذا السلوك؟ طبعا لا. لكن السؤال «ما هو المقصود بتحصين السلوك»؟

العلاقة ما بين لبنان وسورية هي علاقة قوي بضعيف. إسرائيل هي الاقوى عسكريا وسياسيا، خصوصا على المسرح الاميركي. ولبنان هو الاضعف في المعادلة. لكنه، على رغم الضعف اللبناني، استطاعت المقاومة من تحقيق نصر تاريخي على اقوى جيش في المنطقة. ويعود هذا السبب إلى الاستراتيجية الناجحة، والعقيدة القتالية. فإذا نجحت المقاومة، فهل هذا عصيّ على الدولة؟ طبعا لا.

ما هو السلوك المعتمد لتحقيق هذا الأمر؟

- اذا كانت إسرائيل هي الاقوى، فهذا لا يعني انها لا تقهر. واذا كان الاقوى عبر التاريخ هو الرابح دائما، فكيف نجحت الكثير من الثورات؟

إذا كان لبنان ضعيفا من الناحية العسكرية، وجب عليه ان يختار طريقة قتال مضادة ترفع بشكل كبير من الاثمان الواجب دفعها من قبل إسرائيل لتحقيق اهدافها. بطريقة اخرى، يجب على إسرائيل ان تعتقد دائما، ان الذهاب إلى الحرب على لبنان هو ليس نزهة بسيطة، لا بل يجب ان تكون الكلفة اكبر بكثير من الارباح، فتحجم نتيجة لذلك عن عدوانها. لكن كيف؟

ركز الامام المغيب موسى الصدر في معظم خطاباته السياسية، على ارتباط مصير لبنان بمصير الجنوب. كذلك الامر شدد على ضرورة خلق مجتمع مقاوم واستراتيجية وطنية للتعامل مع الخطر الاسرائيلي. فماذا نعني نحن بمجتمع مقاوم؟

اذا كانت الادارة متوافرة، فيجب أن تؤسس مقومات الصمود على ارض الجنوب وتأسيس هذه المقومات هو ليس قرارا يتخذ، لا بل هو مسار طويل يعتمد على استراتيجية صحيحة، واقعية ومرنة متطورة مع المتغيرات، خصوصا في المجالات العسكرية (التكنولوجيا).

ما هو المطلوب إذا؟

1- تأسيس البنى التحتية اللازمة لبقاء السكان في الجنوب خلال الاعتداءات الاسرائيلية. والمقصود بذلك كل من هذه الامور: الملاجئ، التموين، الاتصالات، الطبابة، الاخلاء الصحي، الطرقات.. الخ. تؤمن هذه البنى مقومات الصمود، فلا يترك الجنوبيون الارض اثناء الحرب، ليعودوا عليها بعد وقف القصف.

2- اعتماد عقيدة قتالية غير تقليدية في منطقة الجنوب تختلف عن جبهة المواجهة الثانية مع إسرائيل في البقاع الغربي. وتقوم هذه العقيدة على: تأليف خاص للقوى، تجهيز، وتدريب. وجب ان تؤخذ العبر من تجربة المقاومة مع الاحتلال. يجب الاعتماد على طبيعة الارض اللبنانية التي تشجع، وتسهل القتال غير التقليدي. يكون لب هذه العقيدة القتالية، القتال من ضمن مفهوم حرب الغوار (العصابات). لذلك تفرض هذه العقيدة، بالاضافة إلى طبيعة الارض ونوعية الهدف، تأليفا وتجهيزا محددين. لذلك يقول يزيد الصايغ في كتابه الاخير «الكفاح المسلح والبحث عن الدولة»، انه لو قاتل الفلسطينيون الجيش الاسرائيلي العام 82 بطريقة غير تقليدية، ولو استعملوا الارض بشكل جيد، لما وصل هذا الجيش إلى مشارف بيروت بهذه السرعة. لكن تحول المقاومة الفلسطينية من قتال العصابات، إلى تركيبة تشبه الجيش التقليدي، اعطى اسرائيل تفوقا نوعيا.

3- في هذا الاطار، وجب ان تتكامل كل المشاريع الانمائية في منطقة الجنوب مع المخطط العسكري. فلا تفتح الطرق إلا من ضمن المخطط العسكري، بشكل ان تتناسب مع طريقة القتال الموضوعة. فيُعمد مثلا ومن ضمن مخططات وزارة البيئة إلى تشجير منطقة الجنوب، فتحقق من ذلك هدفين: الاول بيئي، والثاني عسكري لأن الشجر يشكل عائقا امام كل تقدم عسكري، كما تؤمن الاشجار غطاء ضد الرصد والاستطلاع الجويين.

4- يضاف إلى هذا كل ما تملك الدولة، والمقاومة من وسائل ردعيّة عسكرية يمكن استعمالها عند الحاجة

العدد 19 - الثلثاء 24 سبتمبر 2002م الموافق 17 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً