يعد التعليم أحد أهم المحاور التي يجب الالتفات إليها بصورة تتناسب مع أهميتها، إذ يمثل أحد مفاتيح التنمية، ومن هنا يجب بجدية تامة دراسة مدى إمكان توفير التعليم الجامعي المجاني، فهناك بعض المبررات التي يجب الوقوف عندها لتأكيد أهمية مجانية التعليم، لعل من أبرزها أن التعليم حق أساسي يكفله الدستور وبالتالي نفهم من ذلك ضرورة أن يكون بشكل مجاني ليتسنى للجميع الاستفادة من مجالاته وإلا أصبح قاصرا فقط على القطاعات المتمكنة ماديا، كما أنه بالنظر إلى الأدبيات والمواثيق الدولية يتضح أن التعليم حق جوهري تكفله كل الصكوك الدولية وكل مواثيق حقوق الإنسان، هذا بدوره أيضا مؤشر يدل على ضرورة أن يكون مجانيا.
مجانية التعليم عندما تتحقق لا تبدو كأنها منحة من أحد لأحد، وعندما نصرّ على توفير التعليم الجامعي بصورة غير مجانية كأنما نتعامل مع محور التعليم والتدريب على رغم أهميته المفرطة في التنمية كأنه سلعة تعرض للبيع، وتتأثر بقوانين العرض والطلب، فالتعليم الجامعي ليس بضاعة بغرض الربح والتجارة، على عكس أننا عندما نقدمه بصورة مجانية فهنا تأكيد بلا شك لأهميته؛ فهو السبيل الأكيد للتنمية.
لا ننسَ أن التضخم والغلاء المعيشي أثرا بصورة كبيرة على تحقيق رغبات بعض المواطنين في مواصلة تعليمهم الجامعي فصاروا يفضلون الالتحاق بسوق العمل مباشرة بعد حصولهم على الثانوية العامة؛ لكونهم لا يستطيعون مواصلة دراستهم الجامعية؛ بسبب الرسوم الجامعية المفروضة وأيضا بحجة مساعدة عوائلهم على رغم أن الرواتب المتحصلة هي الأخرى شحيحة وتكاد لا تسد رمقهم، طبعا إلى جانب جمود الرواتب وضعف وتدني الرواتب الحكومية عموما، وتكاثر أعداد الأسر الفقيرة.
برز حديثا سبب طارئ هو الآخر يستحق منا التوقف عنده وتحليله وبالتالي يجعلنا نفكر بصورة جدية في مجانية التعليم الجامعي والبطالة الجامعية، فكثير من العوائل صرفت الشيء الفلاني على أبنائها وتحمّلت ما تحمّلته من أعباء مادية بغرض إدخالهم الجامعة، ولكن بدلا من الانخراط في سوق العمل وتعويض عوائلهم السنوات الفائتة نجدهم يحملون هما أكبرَ وهو همّ الحصول على وظيفة، هذا بدورنا يجعلنا نفكر في ضرورة توفير التعليم الجامعي المجاني، وعلى الحكومة أن توفر الدعم الكافي للجامعات، فضلا عن ضعف مستوى التعليم الجامعي وبالتالي يجعلنا الأخير أيضا نفكر في مجانيته.
إن بث الوعي بأهمية التعليم الجامعي يحتاج إلى جهود كبيرة وحملات مختلفة الأغراض والأهداف، وأعتقد أن أفضل الطرق والأساليب لبيان أهمية التعليم الجامعي هو مجانيته، فالتعليم الجامعي بات ضرورة من ضرورات الحياة.
بعد استعراض أهم المبررات التي تجعلنا نفكر في مجانية التعليم الجامعي لابد لنا من الوقوف على إيجابيات التعليم الجامعي المجاني، وهي على النحو الآتي:
1. فتح المجال أمام الطلاب ضعاف الدخل والذين ينتمون إلى أسر ضعيفة الحال للدراسة الجامعية، وبالتالي تحسين أوضاعهم المعيشية مستقبلا، عملا بالمثل الصيني المعروف «بدلا من إعطائه سمكة كل يوم نعلمه الصيد».
2. فرصة حقيقية لخلق وعي أكبر بالتعليم، وتشجيع الطلاب عموما على إكمال دراستهم الجامعية وخصوصا الراغبين منهم.
3. في ظل وجود مجانية للتعليم الجامعي سيكون الأمر قريبا جدا من إلزامية التعليم الجامعي، تماما كما هي الحال بالنسبة إلى التعليم في المراحل الأولى وإلزاميته.
4. مجانية التعليم الجامعي تعني الابتعاد عن التهم التي في جوهرها الاستثمار في التعليم، وبالتالي قطع الطرق على المستثمرين الذين يريدون مضاعفة أموالهم من خلال بيعهم التعليم الرديء للطلاب والأسر، وخصوصا بعد الفضحية التي سمعنا عنها ووجود جامعات تبيع الشهادات على الطلبة بأبخس الأثمان.
5. توفير مقومات التنمية من خلال توفير التعليم الجامعي المجاني الجيد وهو أهم شيء، وبالتالي ارتفاع نسب أعداد المتعلمين والمثقفين في البحرين وبدوره هذا فخر كبير للبحرين.
كما لمجانية التعليم الجامعي إيجابيات لابد أن هناك أيضا سلبيات وفيما يلي أبرز السلبيات:
1. كلما قلت الرسوم الجامعية أو انخفضت أدت إلى انخفاض مستوى التعليم وجودته المقدمة إلى الطلاب، فالمؤسف أن هناك الآن اهتماما بالتعليم الجامعي؛ لأنه يمول من خلال الرسوم، وبالتالي في حال مجانيته، سيكون رديئا.
2. مجانية التعليم الجامعي تعني تضخما في درجات الطلاب وتضخما سكانيا في الجامعة، وخصوصا أن مساحة الجامعة محدودة المباني مقارنة بقدرتها الاستيعابية للطلاب، وأيضا لا يمكن تجاهل أنه كلما زاد أعداد الطلاب في الحجرة الدراسية الواحدة قلّ التفاعل وبالتالي نسبة الاستفادة تقل وتضعف.
هناك بعض التدابير التي يجب أن تؤخذ بالاعتبار منها:
1. زيادة الدعم الحكومي للجامعة حتى لا يتأثر مستوى التعليم الجامعي بعد مجانيته.
2. إلغاء الرسوم الدراسية للتعليم الجامعي أو بدلا من فرضها بشكل فصلي يفرض نوع من الرسوم الجامعية الرمزية بشكل سنوي لكل طالب بغض النظر عن التخصص الذي يرغب في دراسته كما هو معمول به في الدول الخليجية ولاسيما الكويت.
3. وضع معاييرَ واضحة ومحددة لمجانية التعليم كأن يطبق على الفئات التالية التي منها الطلاب المتفوقون والمتميزون والحاصلون على معدلات لا تقل عن 85 في المئة نوعا من الحافز لتفوقهم وتشجيع الآخرين أيضا على التفوق والتميز، إضافة إلى طلاب العوائل ضعيفة الحال التي لا يزيد دخل رب الأسرة على 200 دينار، والطالب الذي ينتمي إلى أسرة يزيد فيها عدد أفراد الأسرة على أربعة أفراد بغض النظر عن مستوى الدخل، كما ينبغي ألا تطول مجانية التعليم الرسومَ فقط بل تمتد لتشمل الكتب الدراسية والخدمات الجامعية الأخرى.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1898 - الجمعة 16 نوفمبر 2007م الموافق 06 ذي القعدة 1428هـ