يمكن القول إن أشبه توصيف لواقع ومآل تلك الوثيقة المشتركة أو «التحالف التكتيكي السياسي» اللذين تجسدهما «الوفاق» و «الأصالة» هو كلمات الأغنية الشهيرة للمطرب الكبير كارم محمود وهي «أجي لك من هنا... تروح لي من هنا»، فعلى حين تنسب «الوفاق» جزءا من الفضل المتحقق لتحالفها مع زميلتها «الأصالة» في كعكة الإنجازات البرلمانية على وزن «التحقيق في الأملاك العامة للدولة» وغيرها، نجد في الوقت ذاته «الأصالة» تحاول بشكل متوقع التملص من تعليق «الأفضال» و «الإنجازات» على عنق ذلك «التحالف» المبارك وفاقيا، والذي يجزم آخرون أنهم لا يرونه إلا جذعا طللا رماديا ومحروقا يستحيل أن تهرول في شرايينه الدماء وألوان الحياة!
وعلى حين رأى الزميل محمد العثمان في مقاله «العبط السياسي» أن مثل ذلك التحالف المعلن من المستحيل أن يتم أو أن يعوّل عليه أصلا؛ لكونه قد أتى مخلا بقواعد اللعبة السياسية والوعي بمفاتيحها ومساراتها الواقعية، فذكر معلومات وشواهدَ معروفة وبارزة عن تلك التباينات الجذرية بين كلا الطرفين والتي ترتبط بالوجود التنظيمي!
ومثلما يستحيل على الطرفين الالتقاء في جدوى مبدئية واحدة من دون خسران مبين لكليهما، فإن طرح ملفات وتحديات الاستجواب المرغوب فيها وفاقيا يستحيل أن يلاقى استجابة أصيلة ومقبولة من «فكر» و «حراك» كتلة «الأصالة» التي قد يستعصي عليها أن تنجب فدائيين من دون وجع مخاضي كبير! فـ «الأصالة» وأمثالها في هذا البرلمان لم ولن تتجاوز في ذلك مشاغبات تؤديها على مقاعد المدرسة البرلمانية قد تحصل إثرها على استدعاء أحمرَ وصارم من قبل «ولي الأمر» المسئول!
فهل تكون «الوفاق» قد فشلت انتهازيا وإن قصرت «الأصالة» في بعض طاعتها وانصياعيتها العمياء وأوشكت بذلك أن تفقد الكثير من ماء الوجه ورضا الطاعة السلطوية العمياء؟
وإن كانت «الوفاق» محكومة بأسئلة ونظرات الشارع العريضة والحادة على ألف بائها السياسية والبرلمانية، وعلى تخبطاتها وأخطائها المتكررة، وعلى قاصمة سعيها المغامر نحو التحالف مع «الأصالة» لاستجواب الوزير عطية الله، على حين تظل «الأصالة» - وإن أصبح مغضوبا عليها جراء خروج أمر تلك الوثيقة المشتركة علنا - محكومة بعيون صانعيها ومهندسيها ومعديها ومخرجيها، فهي ملزمة بالطاعة المصمتة في النهاية ومكلفة بأن تكون حائط صد حكوميا مع شقيقتها الضبابية ولا أكثر، وقد تثير وتناوش وتلهي بملفات ومسائلَ مشبوه فيها ليست بذات أهمية قصوى كالتي تتمتع بها ملفات كبرى معلقة ومؤجلة منذ عقود، ومع ذلك تنجح في إثارة واستمالة ود ورضا «الوفاق» بكامل وقارها ورزانتها ومعقوليتها المفترضة منها في التلهي والعبث بملفات ومثيرات لا تعدو على أن تكون «شبهات» وربما هي دون مستوى المجلس وحجم سلطاته وصلاحياته المفترضة!
فمع ازدياد مستويات الإثارة الحماسية المسيلة للغرائز الايديولوجية لدى الجانبين انخرطت «الوفاق» بوعي أو من دون وعي مع الركب في لجنة استعراض برلماني للتحقيق في فعاليات مشروع وطني ناجح كـ «ربيع الثقافة» على رغم طول قائمة القضايا والملفات الكبرى المؤجلة والمستعجلة، فعادت حينها «الوفاق» ونكصت بذلك إلى حلقتها الوعظية والرجعية الأولى، لنشهد أكبر هيئة لـ «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» عالميا بعد أن سلخت جلدتها السلطوية التشريعية، وابتعدت عن كبار المسئولين والمتنفذين لتنشغل بمطاردة الراقصين والراقصات!
والآن «الوفاق» تنجر هذه المرة - ولكن أخذا بأعراف الانتهازية السياسية - إلى مسلسل الإثارات والإلهاءات التي لا تنقطع على أمل أن تحظى بحلم الاستجواب الذي لا يبدو قريبا، وها هي اليوم ضمن لجنة تحقيق لشخصية وطنية غنية عن التعريف لطالما تميزت بإخلاصها ونزاهتها وكفاءتها ولعبها دورا محوريا وتواصليا أثناء مرحلة الانتقال من زمن «أمن الدولة» الأغبر إلى حلم «الإصلاح» ألا وهي تلك الشخصية التي يمثلها وزير الصناعة والتجارة حسن فخرو في موضوع لا يعدو كونه «اشتباها» و «التباسا» مزعوما، ومشروعا وطنيا كبيرا ننتظر ازدهاره، ولا يمكن أن يقارن بحالات ومشكلات وأزمات كبرى بحجم نهب ووهب أراضي الوطن على المكشوف وابتلاعها ومجها استثماريا لتتحول إلى حلم مجتمعات مسيجة وعقارا خاصا وهو ما لم ولن تتجرأ «الأصالة» وشقيقاتها على النظر إليه والاستمرار والاستقامة في ذلك!
تكون بذلك «الوفاق» قد انحنت كثيرا إلا أنها خسرت هذه المرة رجلا وطنيا كبيرا مثل حسن فخرو، ونجحت «مدرسة علم الكلام» التابعة إلى كتلة الأصالة في إدارة موهومة لـ «منكر أصغر» لصالح التغطية على منكرات أكبر وأكبر تجري على قدم وساق، وليس في دعواها لقهر ذلك «المنكر الأكبر» الذي دخلت البرلمان لإيقافه عند حدوده!
فما شكل ونسبة التحالف بين «الوفاق» و «الأصالة» إن لم ولن ينجح مبدئيا وانتهازيا؟ قد يكون تحالفا غرائزيا ايديولوجيا، وربما لا يعدو كونه تراصفا تأويليا متفلسفا، وقد انفلت العيار بنقص خبرة ورؤية من هنا ونقص روية ودهاء من هناك، أو هو تحالف متقاعدين منتفعين لتسوية لا متعاقدين منفطرين! أو هو بالأحرى تحالف رومانسي بين «الأصالة» و «الوفاق» في حضرة المطرب الكبير كارم محمود؛ لكونه كتب على «ورق الورد»، ورست بركاته وأفضاله على «شط بحر الهوى»، فقد قال أحد أطراف هذا التحالف «العنابي» الجدلي الذي «تهل الروايح منه» إنه «تحالف» أو «تعاون» أو «تنسيق» أو «تعهد» أو «التزام» أو «انسيابية» أو «التقاء لطيف» أتى لعيون تطييب الخواطر بين الجانبين، فمتى يلتقي إذا الحبيب بالحبيب؟ أفي فصل الربيع؟
إن غدا لناظره قريب، ومع ذلك نرجو أن يصح غدا ونخطئ في ذلك لأجل الأحباب الجدد، فذلك خيرا من فتنة لا تذر، ومن «منكر أكبر» يتلبس صغار «المنكرات» أو «النكرات»!
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1898 - الجمعة 16 نوفمبر 2007م الموافق 06 ذي القعدة 1428هـ