العدد 1897 - الخميس 15 نوفمبر 2007م الموافق 05 ذي القعدة 1428هـ

أميركا تضغط هربا من الفشل في العراق

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

لايزال الرئيس الأميركي يُبشّر بالديمقراطيّة والحرّية في أكثر من بلدٍ في العالم، ولا سيّما في منطقتنا العربيّة والإسلاميّة، ولكنّنا عندما ندرس استراتيجيّته السياسية والأمنيّة، نجد أنّه يُمارس عمليّة إلغاءٍ لإرادة المستضعفين من أجل خدمة مصالحه الكُبرى في مصادرة اقتصاد العالم، ولا سيّما بما يتّصل بالسيطرة على منابع النفط، كما صرّح بعض جنرالاته المسئولين في العراق، إلى جانب الفوضى التي أثارها في الواقع الأمني والخدماتي، بحيث إنَّ الشعب العراقي لايزال يعاني من اللعبة المزدوجة التي يديرها الاحتلال الأميركي بطريقة معقّدة، ولا تملك العمليّة السياسيّة طريقها إلى الاستقرار، بحيث أصبح الاهتزاز هو طابع الواقع العراقي، ولا سيّما مع التمزّق السياسي للكتل البرلمانيّة.

ولاتزال الإدارة الأميركية تدير أوضاع المنطقة بالطريقة السلبيّة، في خطوطها المتحرّكة، على أساس محاولة تحقيق الانتصار لجنودها في العراق، والهروب من الفشل الأمني والإداريّ؛ وهذا ما نلاحظه في الضغوط التي تمارسها على سورية، وفيما تثيره من أنواع الفوضى في لبنان، وفي التهديد بالحرب بين وقتٍ وآخر، من خلال حشد أساطيلها في البحر ضدّ إيران، بحجّة مواجهة ملفّها النووي الذي هو موضع اتّهام أميركي وغربي بأنّه يسعى لصنع القنبلة الذرّية على رغم من النفي المتكرّر لإيران لذلك، إضافة إلى تصريح مدير وكالة الطاقة الذريّة بعدم وجود أيّ دليل على ذلك، الأمر الذي لم تقبل به أميركا والعدوّ الصهيوني وبعض دول أوروبا، لأنّهم اعتادوا استخدام الوكالة للتشكيك في سلميّة المشروع النووي الإيراني كجزءٍ من مشاريعهم الاستكباريّة والاستعماريّة.

باكستان: فوضى أمنية ومصادرة للحريات العامة

وإذا نظرنا إلى حلفاء الإدارة الأميركية الذين تزوّدهم بالمساعدات المالية والعسكرية والسياسية، فإنّنا نجد أنّ غالبية هؤلاء يصادرون الحرّيات العامّة لشعوبهم، ولا يحرّكون النهج الذي يشعر معه الشعب بأنّه يملك اختيار رئيسه ونوّابه ووزرائه بإرادة حرّة.

وهذا ما نلاحظه في باكستان التي يمثّل رئيسها الحليف القويّ للإدارة الأميركية في ما يسمّى الحرب على الإرهاب، وفي مواجهة المعارضة الوطنيّة والإسلاميّة المضادّة للسياسة الأميركية، وذلك في إعلانه حال الطوارئ التي حرّكت الأحكام العرفيّة الخانقة للأنفاس، وأدّت إلى اعتقال المئات من المعارضين لسياسته، وإلى قمع التظاهرات بالسلاح الأميركي، الأمر الذي جعل من باكستان بلدا تنتشر فيه الفوضى الأمنيّة في مناطق القبائل، وفي المواقع الدينيّة، وفي الحرب الدائرة بين الجيش والشعب.

هذا، إضافة إلى التداخل بين باكستان وأفغانستان في الأوضاع القلقة التي يقودها الجيش الأميركي من جهة، وحلف الناتو من جهة أخرى، بحيث يسقط في كلّ يومٍ عشرات القتلى والجرحى من الأفغان، ما جعل المنطقة تزداد عنفا من خلال سوء الإدارة الأميركية للواقع الأمني والسياسي.

ومن الطريف أنَّ بعض المسئولين في الإدارة الأميركية تحدّث عن رفض إدارته للديمقراطيّة في المنطقة، لأنّ الحرّية التي تمنحها للشعوب قد تؤدّي إلى إنتاج الإرهاب الذي يتمثّل - في النظرة الأميركية - بمعارضة سياساتها؛ الأمر الذي يفرض - حسب هذا المنطق - تشجيع الدكتاتوريّة التي تحمي المصالح الاستراتيجية للإدارة الأميركية، وتضغط على المعارضة بكلّ قسوة.

«إسرائيل»: التزام أميركي أوروبي بأمنها

من جانبٍ آخر، فإنّ كيان العدوّ الذي يمثّل الكيان العدوانيّ ضدّ العرب والمسلمين والشعب الفلسطينيّ، لايزال موضع تقدير لدى المسئولين الأميركيين وبعض المسئولين الأوروبيّين، باعتباره يمثّل الديمقراطية الحضارية الوحيدة في المنطقة؛ ولذلك تحصل «إسرائيل» باستمرار على الالتزام بأمنها المطلق ضدّ الفلسطينيّين والعرب، في الوقت الذي تمارس مختلف ألوان القتل والتشريد والاعتقال والتدمير للبنية التحتية للشعب الفلسطيني، والقصف لمواقعه المدنيّة والسرقة لمياهه، من دون أن تحرّك أميركا أو بعض أوروبا أو حتى بعض العرب ساكنا أو استنكارا واحتجاجا، بحيث أصبح الاجتياح والاغتيال والاعتقال حدثا يوميّا ينتظره الفلسطينيّون كلّ صباح ومساء.

وهذا كلّه، في الوقت الذي نجد أنّ المؤتمر الذي دعا إليه الرئيس بوش، تحت عنوان التخطيط لإقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة - حسب تعبيره -، وفرض على الدول العربية المشاركة فيه، هذا المؤتمر سيكون مجرّد اجتماع لا مجال فيه لأيّ مبادرة حقيقيّة، بحيث سيتحوّل إلى لقاءٍ للتطبيع العربي مع العدوّ.

فلسطين: لإعادة الروح إلى الانتفاضة

ونلاحظ في هذا المجال، أنّ المسئولين في أكثر الدول العربيّة، قد صادروا أوراقهم لمصلحة العدوّ الإسرائيلي، وقدّموا له التنازلات الكبرى تحت تأثير الضَّغط الأميركي، وأصبحت القضيّة الاستراتيجية العربيّة مجرّد قضيّة نزاع فلسطيني إسرائيلي، لا يملك فيه الفلسطينيّون أيّ ورقة للقوّة في ساحة التفاوض، وتحوّلت المسألة لدى بعض المسئولين العرب إلى اعتبار العدوّ الإسرائيلي هو الصديق، وأنّ المقاومة في لبنان وفلسطين هي المشكلة المعطّلة للحلّ؛ حتّى إنّ وزيرة خارجية العدوّ تُعلن أنّ «أمن (إسرائيل) يتقدّم على الدولة الفلسطينية التي لن نفاوض - حسب قولها - المطالبين بها إلا بعد إسقاط الانتفاضة». ونحن ندعو الشعب الفلسطيني - في هذا المجال - إلى أن يعيد الروح إلى الانتفاضة ضدّ العدوّ المحتلّ، ليعرف الجميع أنّ المرحلة ليست مرحلة حكومة فلسطينيّة تخضع للجدل السياسي، بل هي امتدادٌ للمقاومة في طريق التحرير الآتي بإذن الله.

لبنان في قاعة الانتظار الدولي

أمّا لبنان، فإنّ واشنطن تبحث عن نصرٍ سياسيّ فيه، تغطّي فيه فشلها في العراق، ضمن لعبتها الواسعة في الشرق الأوسط، بصرف النظر عن الأحمال الثقيلة على كتفي الوطن الصغير المتعب. ولم يحدّد اجتماع اسطنبول، الأميركي - الفرنسي - العربي، أيّ آليّة للحلّ، لأنّ قيادته كانت بيد وزيرة الخارجية الأميركية التي تكتب النصّ ويوقّع عليه الجميع. وباريس الباحثة عن حلّ يحفظ نفوذها وموقعها وتأثيرها السياسي في لبنان - باعتباره حالة فرنسية تاريخية في المنطقة - لاتزال تتحرّك من موقع إلى آخر، حتّى حطّت رحالها في واشنطن في اجتماع القمّة بين الرئيسين الأميركي والفرنسي.

ويبقى اللبنانيّون في حيرة قاتلة، بين الحلّ واللا حلّ، والفراغ الدستوري، والانتخاب القانوني، خائفين من تصريحات بعض الذين يعيشون في الظلام ويحبّون اللون الأسود، ممّن يثيرون احتمالات الحرب الطائفيّة والمذهبية والحزبيّة لخدمة بعض الذين لا يؤمنون بوجود شعبٍ جائع محروم خائف من المستقبل، بل يؤمنون بالسرّ الأميركي الذي يحدّد للبنانيّين ماذا يفعلون وماذا يتركون؛ ولايزال الجميع في قاعة الانتظار التي لا يعرف أحد موقعها.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1897 - الخميس 15 نوفمبر 2007م الموافق 05 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً