العدد 1896 - الأربعاء 14 نوفمبر 2007م الموافق 04 ذي القعدة 1428هـ

لا يزال ابني يسأل عن «البدر» الذي غاب

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

أبني الذي حدثتكم عنه في أحد المقالات السابقة عندما طرحت موضوع «البدر» الذي غاب ولم يعد إلى الآن، كلما أخذه الحنين والشوق إلى «البدر»، سأل عنه فهو لم ينسه يوما، فهو دائم السؤال عنه، وكلما تذكره سأل عن أسباب اختفائه، ومكان وجوده، ولماذا صار عليه ما صار إليه؟ الأسئلة المحيرة التي لم يتمكن أحد إلى الآن الإجابة عليها، بل أتحدى أن يكون أحدا يستطيع الإجابة على أحدها، فقد غاب «البدر» يوما ولم يعد ولا أظن بأن في الأفق ما يدعو إلى ظهوره من جديد، علينا من الآن أن نسجل قائمة بأسماء المفقودين الأعزاء على قلوبنا فكان الفراق الصعب، لأن القضية يا جماعة الخير لن تكون الأخيرة والسلام، بل كلما ترك الموضوع هكذا معلقا بلا تشخيص ولا بحث، سيظل الألم والورم موجودا، ولن يطيب أبدا.

أبني الذي لم يكن يوما يشك في قدرة الله تعالى وفي استجابته دعاء المضطر، بل يؤمن بذلك إيمانا عميقا، يظن بأن الدعاء في بيته الحرام مستجاب بشكل فوري وأيضا الدعاء من قبل الطفل الصغير مستجاب أيضا فالأطفال أحباب الله، تلك كانت حقائق في ذهن أبني بمثابة المقدمات المنطقية وعليها يتوقع نتائج إيجابية بلا تدخلات آلهية أخرى، لذلك لم يكن ينس الدعاء لـ «البدر» في بيت الله وأمام الكعبة، بل خشي أن يكون دعاءه غير صحيح وبالتالي غير مستجاب، طلب مني ومن خالاته أن يدعوا أيضا لعودة «البدر» إلى أمه وبيته وأهله، بعدها أخذ يسأل عن الصحيفة لربما وجدوا «البدر» ونحن لا ندري.

ولكن طاف يوم والتحريات لا توصلنا إلى حقيقة معينة يمكن الاستناد عليها في العثور عليه، يردد هل أن الدعاء غير مستجاب؟ أو يشكك من جديد بأنك لم تدع إليه، لكان رجع إلى أمه، لا يعلم صغيري بأن لاستجابة الدعاء حكمة إلهية، وليتنا نحصل على كل ما نتمناه بالدعاء، فالدعاء أحد الوسائل ولكن ليس الوسيلة الوحيدة التي يمكن الركون إليها، لعل أبني واحد من هؤلاء الأطفال الصغار الذين يعيشون على الأمل، لا يعرفون إلى الآن معنى لليأس أو الإحباط بل لا يعرفون القنوط، ولا نريد لهم أن يتعرفوا على هذه المفاهيم من خلال قصة «البدر» الذي غاب دون أن يودع أمه، وأن يقول لها وداعا إلى أجل غير مسمى، بل ودع طفولته إلى مرحلة الشيخوخة.

في موضوع معقد كموضوع «البدر» لابد لنا أن نكون أكثر سخونة وحرارة في مسألة البحث عنه ومسألة التنظير لاختفائه وملابسات الحادثة، بحيث تنشأ هناك حملة في جميع مناطق البحرين لا تهدأ أبدا إلا مع الحصول عليه، ما نلاحظه بأن الحادث نفسه كان أكثر سخونة من أي إجراء آخر، صار بغرض البحث عنه، لعله كان درسا مفيدا للعوائل التي تهمل أطفالها، وتتركهم يسرحون ويمرحون هنا وهناك من دون رقيب ولا حسيب، ودرسا مفيدا أيضا للأطفال الجريئين الذين يهوون اللعب في الشارع وبعيدا عن البيت بلا إدراك لعواقب الأمور بغرض الابتعاد عن الرقابة الاجتماعية المفروضة عليهم من أسرهم.

ودرس آخر للجهات الأمنية التي لا تحرص على توفير فرص الأمن بصورة أكبر في الأحياء السكنية من خلال وجود شرطة المجتمع، من خلال مهام ومسئوليات أكبر، وفرصة طيبة للتعرف عليهم وعلى أدوارهم، وبالتالي فرصة أكبر للتكيف معهم وقبولهم.

ولكن فاتنا أن يكون درسا مفيدا وجادا أيضا للذين تسول لهم أنفسهم في اختطاف فلاذات أكباد الغير، بأن يكون العقاب شديدا حتى تردعهم نفسهم عن الأقدام على القيام بأفعال مقززة كتلك، ويصحو معها ضميرهم الميت الذي يحلو له أن يعيش على موت الآخرين، لذلك كان من الواجب أن نؤكد مسألة الثواب والعقاب فالثواب للشخص الذي يستطيع الحصول على معلومات تفيد في الحصول على «البدر» أو معلومات عن مكان وجوده، والعقاب للأشخاص الذين يتسترون على «البدر»، وعقاب أشد للذين قاموا بإبعاد «البدر» عن أحضان أمه، وتركوها ثكلى في حال انتظار دائم، لعل طارقا يبشرها بقدوم «البدر»، وهل الذين يغادرون أحبابهم يرجعون من جديد؟

سؤال كبير بحجم اختفاء «البدر»، وحجم اللغز الذي لايزال يطرح ويحتاج إلى جواب، حتى ينكمش من جديد، سيظل أبني يسأل عن «البدر» وعن قصة اختفائه وسيظل يتصفح في وجوه الأطفال كلما وجد تجمعات خاصة بالأطفال، وكلما طاف على أطفال يلعبون بالقرب من بيوتهم، ويدعي بأنه وجده في مكان ما ليعيش حال الأمل والتفاؤل، ولن أسمح له أن يعيش حال اليأس والإحباط، ولكم أن تعاهدوا أنفسكم أنتم أيضا أن تتركوا العنان لأطفالكم ليعيشوا حلم الحصول على البدر، فالأطفال مشاعر خاصة يجب أن لا تقتل فيهم، لنكون جميعا أطفال بهذا الشعور إلى أن نجد «البدر»، لنكون جميعا أمهات لـ «البدر» ننتظر قدومه ونشتاق إلى سماع أخبار إيجابيه عنه.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1896 - الأربعاء 14 نوفمبر 2007م الموافق 04 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً