العدد 1894 - الإثنين 12 نوفمبر 2007م الموافق 02 ذي القعدة 1428هـ

أيها العرب... احضروا وأنتم صامتون!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

اقترب موعد ما يسمّى بمؤتمر السلام الدولي الذي دعت إليه أميركا بهدف تحقيق سلام بين الصهاينة والفلسطينيين. الملاحظ شدة اهتمام الرئيس الأميركي بهذا المؤتمر، فهو يواصل إرسال وزير خارجيته بين آونة وأخرى لتتحدث مع الأطراف الرئيسة - الصهاينة والفلسطينيين - ومع بقية الأطراف العربية التي تريد أميركا منهم الحضور ومن ثم الموافقة على نتائج المؤتمر مهما تكن.

هذه الدعوة من الرئيس الأميركي لم تكن الأولى من نوعها فقد كررها مرارا وابتداء من سنة 2002 عندما طالب إسرائيل بتجميد بناء المستوطنات وعدم اختراق الأراضي الفلسطينية والاستعداد لتقديم نتائج واضحة على الأرض. لكن إسرائيل لم تتوقف عن فعل أي شيء بل واستمرت في عمل كل شيء حتى ذلك الجدار البغض الذي أدانته المحكمةالدولية لم يجرؤ بوش على إدانته عمليا، كلّ ذلك كان يراه الرئيس الأميركي ولم يستطع أن يفعل شيئا فما باله الآنَ أعاد الحديث عن ضرورة قيام دولة فلسطينية وفي هذه الظروف السيئة التي تمرّ بالفلسطينيين والصهاينة وبه شخصيا؟!

الفلسطينيون منقسمون على أنفسهم بصورة لم يسبق لها مثيل ويكفي دلالة على ذلك أنّ المندوب الفلسطيني في الأمم المتحدة قدّم مشروعا صنّف فيه «حماس» على أنها منظمة إرهابية يعطي ذريعة للصهاينة وسواهم لمطالبة العالم كلّه بمحاصرتها بكلّ الوسائل، ولولا تدخل بعض الدول العربية لأصبح هذا المشروع ناقدا، وكان هذا المندوب لايعرف شدة الحصار الواقع على قطاع غزّة والذي حوّل حياة كلّ الفلسطيني فيه إلى جحيم لايطاق فأراد أنْ تزداد تلك المعاناة بقراره الذي لم يكتب له النجاح ولا أستبعد أنْ يعيد المحاولة بصورة أخرى.

ومعروف أنّ الرئيس الفلسطيني لا يستطيع فعل شيء في قطاع غزّة، وهذا القطاع يشكّل محورا مهما من الكيان الفلسطيني فكيف يتم الحديث عن قضية لا يحضر كلّ أطرافها؟!

رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل أكّد أنّ مؤتمر أنابولس لعبة مضللة للعرب وأنه - كما يقول مشعل - يهدف إلى التغطية على حرب في المنطقة قد تطال سورية وإيران وغزّة وحزب الله، وأنه يهدف إلى تعزيز الانقسام الفلسطيني. أمّا حركة حماس فهي ترى أنّ هذا المؤتمر لا طائل من تحته ودعت الدول العربية إلى مقاطعته.

حركة الجهاد الإسلامي اتخذت الموقف نفسه من المؤتمر فقالت على لسان أمينها العام رمضان شلح: إنّ المؤتمر ما هو إلاّ محاولة للتغطية على الفشل الأميركي في العراق ومساعدة أولمرت بعد هزيمة إسرائيل في لبنان.

مرة أخرى أيّ مصير ينتظر هذا المؤتمر وهو يحظى بمعارضة قوية من أطراف فلسطينية فاعلة؟! الانقسام ذاته طال الموقف في إسرائيل فقد شنّ اليمين الإسرائيلي هجوما شديدا على «أولمرت» عندما قيل أنه وعد ملك الأردن بإبقاء الأماكن المقدّسة في القدس الشرقية تحت السيادة الأردنية... ومع أنّ الأردن نفى هذا الخبر، وكذلك أولمرت إلاّ أنّ هذا اليمين طالب أولمرت ألا يدخل في صفقة يبيع فيها القدس مقابل صفقة سياسية! وزير الدفاع الإسرائيلي بحسب الحياة الصادرة في 27 شوال 1428 هـ أكّد أنه لن يكون هناك حل ما لم تحارب السلطة الفلسطينية البنية التحتية للإرهاب في قطاع غزّة!! وزراء آخرون في الحكومة رفضوا أي تنازل قد تقدمه الحكومة للفلسطينيين في مؤتمر انا بولس.

أمّا نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي وزير الشئون الاستراتيجية «أفيغد ورليبرمن» فقد وضع خطوطا حمراء قال: إنه لا يسمح بتجاوزها منها تفكيك المقاومة قبل محادثات الحل الدائم، ومنها إضفاء الطابع اليهودي لإسرائيل، وهذا يعني إخراج كّل أو معظم الفلسطينيين الموجودين في بلادهم - فلسطين - منذ 1948م، كما أكّد بقاء القدس الشرقية تحت السيطرة اليهودية، كما اعترض على حق عودة اللاجئين بصورة قاطعة... فإذا كان هذا رأي نائب رئيس الوزراء ومجموعة كبيرة من الوزراء فهل نتوقع أيّ نجاح من هذا المؤتمر؟!

الفشل الذريع للمؤتمر القادم أكده - بحسب «الوطن» السعودية 28 شوال - مسئول في الاستخبارات اليهودية إذ قال: إنّ فرص نجاح الاجتماع الدولي بشأن الشرق الأوسط «شبه معروفة» كبار المسئولين الصهاينة لا يريدون لهذا المؤتمر أنْ ينجح إلاّ بحسب مقاييسهم، هذه المقاييس التي رددها «أولمرت» ووزيرة خارجيته مرارا وفي كلّ زيارة تقوم بها «رايس» أو «عباس» لإسرائيل وأتوقع أنْ يكرر «أولمرت» هذه المقاييس بعد عدّة أيام وفي أثناء مقابلته لوزيرة الخارجية الأميركية في آخر زيارة لها للمنطقة قبل تحديد الموعد النهائي لانعقاد المؤتمر.

رئيس وزراء إسرائيل أكد - مرارا - أنّ كلّ القضايا الجوهرية لن تبحث في هذا المؤتمر وإن بحثها سيكون فيما بعد!! كما أكّد - أيضا - رفضه تحديد أيّ جدول زمني بدء مفاوضات الحل النهائي! وأكد أيضا أنّ عقد اتفاقية سلام مع الفلسطينيين «أمر بعيد للغاية» ولكنه مع ذلك سيواصل محادثاته مع أبومازن.

فإذا كان الأمر كذلك في رأي «أولمرت» فهل يتوقع أحد أيّ نجاح لهذا المؤتمر؟ ماذا سيبحث المجتمعون إذا كانت كل القضايا الرئيسة غير مطروحة للنقاش أصلا؟

الصهاينة - كما قال رئيس وزرائهم - يريدون «اتفاق مبادئ» أو «اتفاق مصالح» أو «إعلان نوايا» المهم أيّ اتفاق أو نوايا لا تلزمهم بشيء وتحقق لهم بحضور العرب - إنْ حضروا كلّ شيء، فهل في أقوالهم كلّها أيّ بادرة أمل يمكن التعامل معها؟

وهنا أطرح هذا السؤال: ما هي مصلحة الدول العربية في حضور هذا المؤتمر الذي يظهر بوضوح أنه لن يحقق شيئا للفلسطينيين؟!

وزيرة الخارجية الإسرائيلية قالت أكثر من مرة: المطلوب من دول العالم العربي حضور المؤتمر من دون إملاء شروط مسبقة! فهل يستجيب زعماء العالم العربي لهذه الإملاءات فيذهب زعماؤهم ليستمعوا إلى ما يقوله الصهاينة من دون أن يكون بين أيديهم جدول يتحدّثون فيه قبل ذهابهم، ومن دون أن يكون في أذهانهم هدف يريدون أن يصلوا إليه؟

ولأن هذه الوزيرة تدرك مدى ضعف الرئيس الفلسطيني في هذه الفترة وأنه يبحث عن أي دعم صهيوني أو أميركي ليقف في وجه حماس فهي تؤكّد أنّ على قادة العرب ألا يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم!! وقالت - أيضا - بلهجة أخرى: على دول العالم العربي أنْ يدعموا أيّ اتفاق يتخذه الفلسطينيون واليهود مرة أخرى، هي تدرك تماما طبيعة ما قد يتخذه هؤلاء - هي وهم - وبالتالي فهي تريد من كلّ الحاضرين أنْ «يبصموا» على هذا الاتفاق الذي يجري من ظروف قوى يملك كل شيء وآخر ضعيف لا يملك أيّ شيء.

الذي أتمناه أنْ يدرك قادة العرب أنّ الأميركان في ظل هذه الحكومة لن يدعموا أيّ حل في صالح الفلسطينيين، وأن تاريخهم معروف وواضح فطالما تحدّث رئيسهم ووعده لكنه لم يفعل أي شيء ولن يفعل أيّ شيء.

وأتمنى أن يشعروا أنّ هذا الرئيس كلما نوى أن يعتدي على دولة عربية أو إسلامية لوّح للعرب برغبته في تقديم حل لمشكلة الدولة الفلسطينية ليتم إسكاتهم والاستفادة منهم لتحقيق الاعتداء الذي ينوى القيام به ثم يعود لما كان عليه ويغمض عينيه عن كل ّجرائم الصهاينة.

وأتمنى من العرب أنْ يعرفوا أنّ حضورهم سيعطي دعما قويا للصهاينة ويؤكّد شرعية عدوانهم على الأراضي الفلسطينية وعلى أهلها وعلى كلّ جرائمهم التي يرتكبونها كلّ يوم، كلّ ذلك من دون تحقيق أيّ هدف يذكر.

ستحاول «إسرائيل» في هذا المؤتمر أنْ تصوّر أنّ النزاع القائم في المنطقة حاليا إنما هو صراع فلسطيني - فلسطيني، بين متشددين تجب محاربتهم وبين معتدينَ تعطيهم وعودا لا قيمة لها.

هل يقبل القادة العرب أنْ يذهبوا إلى مؤتمر يكرّس الضعف العربي ويعطي دعما للعدو الصهيوني استجابة لإملاءات خارجية؟!

إذا لم يكن هناك اتفاق مسبق على حل كلّ القضايا الأساسية قبل المؤتمر فأعتقد أنّ المشاركة فيه عبث لا فائدة منه.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1894 - الإثنين 12 نوفمبر 2007م الموافق 02 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً