هذه المميزات العالمية لم تمنع آلافا من العمال الذين يعملون في أكبر شركة بناء في دبي «أرابتيك» - أي ما يساوي ثلث اليد العاملة في برج دبي – من إلقاء الأدوات التي في أيديهم الأربعاء الماضي 31 أكتوبر/تشرين الأول 2007 والاعتصام في أماكن سكناهم من أجل دفع رواتبهم ناهيك عن تحسين ظروف العمل التي تحكمهم.
وفيما سعت الجهات المعنية لاحتواء مظالم العمال الأجانب، ومعظمهم من بلدان شبه القارة الهندية، فإن تصاعد كلف المعيشة، وضعف الأجور التي تتراوح بين 150 و200 دولار شهريا في المتوسط كانت شرارة جديدة أشعلت نيران المواجهة وخصوصا في دبي التي تشهد طلبا هائلا على العمالة الرخيصة لتنفيذ مشروعاتها الضخمة.
ولقد كتبت مراسلة «الصنداي تايمز» نيكولا سميث مقالا بعنوان: «عمال بثلاثة جنيهات (ستة دولارات) يوميا يموتون من أجل حلم دبي». وتمحور تقرير سميث حول الجزر الاصطناعية التي تبنيها دبي، والتي يشتري فيها مشاهير من أمثال ديفيد بيكهام عقارات، يقوم ببنائها عمال ينالون أجرا قدره 6 دولارات يوميّا.
وقالت المراسلة ان في المكان الذي يسكن فيه العمال الاجانب من جنسيات مختلفة، ينام كل 15 عاملا في غرفة واحدة ويحضرون وجباتهم على سخانات صغيرة ويأكلون على الأرض.
وتروي المراسلة بعض ما يعانيه هؤلاء العمال وتنقل عن أحدهم قوله: انه «منذ اسبوعين، تم ترحيل أحد العمال لأنه طلب زيادة أجره نحو نصف دولار يوميّا».
في المقابل تحذر شركة «شعاع كابيتال» في دراسة بحثية نشرتها في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني2007 من أن هوامش أرباح شركة «أرابتك» الإماراتية القابضة للبناء قد تنكمش بما يصل إلى 1,5 في المئة إذا أذعنت دبي لمطالب عمال البناء بزيادة الأجور.
وقالت «شعاع» في دراسة بحثية «إن أية زيادة في الأجور ستضغط على هوامش «أرابتك» أكبر شركة للبناء في الإمارات، على رغم أن الشركة ستتمكن من تحميل بعض الكلف لزبائنها». وأضافت أنها تتوقع العام المقبل انخفاض هامش صافي الربح للشركة ما بين 1 و1,5في المئة على أقصى تقدير نتيجة ارتفاع كلف العمالة.
وحسبما يبدو فإن مسألة إضراب العمال «الآسيويين»، في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحديدا في إمارة دبي، «صار أمرا ملفتا ومزعجا لكثير من المواطنين والمقيمين».
وبقدر ما ساهمت الأيدي العاملة الأجنبية في دولة الإمارات العربية المتحدة في عمليات البناء والتطوير، وجني الأرباح للشركات التي تقف وراء تلك المشروعات العملاقة، بقدر ما كانت على حساب العاملين فيها من غير أبناء البلد وخصوصا من البلدان الآسيوية، الأمر الذي سبب للمسئولين هناك قلقا وتحديّا هدد في بعض مفاصله جزءا من النجاح والتطور الذي حققته تلك الدولة.
هذا الواقع المأساوي التي تعيشه العمالة الأجنبية والوافدة، هو الذي دفع عددا من منظمات الحقوقية في العالم إلى توجيه انتقادات متكررة لهذه الدولة بسبب موقفها من العمالة الأجنبية لديها، وخصوصا العمالة الآسيوية التي تشير تقديرات إلى أنها تشكل نحو 90 في المئة من مجمل العمالة في الإمارات.
وطالب أحدث تقرير صدر عن منظمة «هيومان رايتس ووتش» في 29 مارس / آذار 2007 حكومة دولة الإمارات باتخاذ «خطوات عاجلة لإنهاء الممارسات التعسفية بحق العمال الوافدين»، بحسب تعبير البيان.
وشهدت دبي خلال العامين 2006 و 2007 اضطرابات بسبب اعتصامات وتظاهرات نظمها عمال آسيويون كانوا يطالبون بحقوقهم العمالية، بما فيها رواتبهم التي تأخرت عن وقتها لعدة أشهر.
وأشار تقرير «هيومان رايتس»، إلى أن العمالة الوافدة في الإمارات لجأت إلى أسلوب الاضطرابات والاحتجاجات «في محاولة منهم لتحسين شروط عملهم». إلا أن التحول الكبير في أحدث الاضطرابات التي وقعت في الأسبوع الأخير من مارس 2007، يكمن في أن منفذيه عمّال يعملون في مشروعين كبيرين من المشروعات التي يجرى تنفيذها في دبي وهما مشروع «برج دبي» الذي ينتظر بعد الانتهاء منه أن يكون أطول برج في العالم، ومشروع توسعة مطار دبي الدولي، الذي سيضع هذا المطار في مصاف أكبر مطارات العالم وأكثرها تطورا.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1893 - الأحد 11 نوفمبر 2007م الموافق 01 ذي القعدة 1428هـ