جاءت كلمة رئيس المجلس الإسلامي العلمائي الشيخ عيسى قاسم في المؤتمر النسائي الأول لـ «الوفاق» الذي جاء بشعار «المرأة والمطالبة بالحقوق العامة ما بين الواقع والطموح»، شفافة جدا وجريئة، وواضحة المعاني. لقد قالها وجعل المفهوم يتفجر في أذهان المراقبين الحريصين على معرفة موقفه ورأيه في مشاركة المرأة في العمل السياسي، بعد تحفظ دائم، لعلها الثقة التي بنيت خلال السنوات الماضية والتي استطاعت أن تبنيها المرأة، ويوثقها الرجل من خلال مشاهداته، إذ ذكر أن «المطالبة بالحقوق ليست حكرا على الرجل وليست حكرا على المرأة»، وأكد ضرورة أن تكون المطالبات في ضوء الشريعة الإسلامية، وراهن على ضرورة وعي المرأة فالمجتمع لا ينهض إلا من خلال وعي ناضج للمرأة، نافيا أن يكون الوعي لن يأتي إلا من خلال جانب واحد وهو الجانب السياسي، بل أفصح مؤكدا أن الجوانب الأخرى ربما تكون أكثر أهمية، محذرا من التركيز على الجانب السياسي، فضلا عن الجوانب الأخرى.
من هنا نفهم أن كلا من الرجل والمرأة لهما الحق المتساوي في المطالبات بالحقوق وترك كلمة الحقوق مفتوحة، أي لم يأطرها بأطر محدد فجاءت لتشمل كل المجالات بما فيها المجال السياسي الذي لاتزال على المرأة أن تطالب بنصيب أكبر لها فيه؛ لكون ساحة العمل السياسي لايزال يسيطر عليها الرجل لا لكونه يحب السيطرة عليها بل لكون المرأة أيضا متوجسة من اقتحامها، ولكون المجتمع لايزال إلى الآن ينظر إلى أن الرجل قد يتفوق على المرأة في الحقل السياسي وعلى المرأة أن تتفرغ أكثر لإدارة شئون منزلها وتربية أبنائها وعلى الرجل أن يعارض الحكومة ويواجهها، وليس عليه حرج إن هو قد قصر في تربية أبنائه أو حافظ على تماسك أسرته؛ لأنه يسخّر طاقاته في إدارة الملفات السياسية الساخنة.
البعض كان يعتقد بأن المجلس العلمائي كان في يوم من الأيام يقف ضد ترشح المرأة في «الوفاق» في الانتخابات الماضية، وأن قاسم يقف بالمرصاد لطموح المرأة الوفاقية وأحلامها، إلا أن الشكوك أظنها في طريقها إلى التبدد والرؤية في طريقها إلى الوضوح بعد تصريحه، وإن كان متأخر بعض الشيء إلا أن الموضوع لايزال عالقا في أذهان المهتمين.
بل إنه عبّر من خلال كلمته أنه لا ينبغي أن تكون المطالبة بالحقوق حربا بين الرجل والمرأة فعندما تحارب المرأةُ الرجلَ فإنها تحارب الوالد والأخ والزوج، وكذلك الرجل عندما يحارب المرأة فإنه يحارب الوالدة والأخت والزوجة وهذا فخ يريد الغرب أن نقع فيه. من خلال الوقوف قليلا على ما قاله فإننا نراه قد صوّر المنافسة الانتخابية بمثابة الحرب القائمة ولا ينبغي حسبما أشار إليه من علاقات وصلات ومن خلال التصوير الذي عبّر عنه أن يكون هناك صراع قائم، بل ذهب إلى أن ذلك يوحي بأن هناك مطامعَ وأهدافا غربية وأفخاخا يريد لنا الغرب أن نتقاتل ونتذابح عليها؛ لكي ننسى ما لدينا من أهداف أسمى وأرفع بكثير من منصب سياسي هنا أو منصب قيادي هناك.
ونأى أن يكون هناك تخندق بهدف نيل الحقوق بشكل فئوي، وأكد ضرورة التركيز على المطالبات بالقضايا المشتركة، وأظنّ أن البوصلة التي يجب استخدامها - بحسب قناعاته - صحيحة، فليس من الحصافة السياسية في شيء أن تتخندق النساء في مطالباتها بقضاياها من دون ناصر لها من الرجل ولا يجب أن يقف الرجل معاديا للمرأة في قضاياها، بل يجب أن يسعى الجميع إلى الوحدة وتوحيد الأهداف والمنطلقات بهدف الانتصار للقضايا الرئيسية الأم، فليس من المهم أن تكون قد تحققت على يد الرجل أو المرأة ولكن من المهم جدا أن تتحقق، وستصبح النتائج أكثر جاذبية إذا ما شارك الجميع في تحقيقها.
عودة إلى ضرورة المراهنة على وعي المرأة ونضجها السياسي، نعم أعتقد أن من المهم جدا أن تكون نساؤنا مثقفاتٍ ومطلعاتٍ، وكما هو معروف، إن العمل السياسي يحتاج إلى جهود كبيرة وأوقات صفاء طويلة، وإن العمل السياسي لا يقاس بسنوات متواضعة؛ فالعمل السياسي خبرات تراكمية طويلة ومكثفة، قد تكون عائقا لأداء المرأة ورسالتها الحقيقية - الأم، وقد تكون أداة لفهم أكبر لمسئولياتها وأدوارها الرئيسية، فلا يمكن لنا أن نفصل أدوارنا عن العمل السياسي؛ فالحياة من ألفها إلى يائها سياسة في سياسة؛ فالزواج سياسة وتربية الأبناء سياسة وتدريسهم سياسة وإعدادهم للمستقبل سياسة، والسؤال الذي يُطْرَح بعد أن تعارف المجتمع على أدوار المرأة والتي تكاد لا تنفك عنها ومنها. فهل لها أن تطلّق السياسة؛ لكي تخلص لأدوارها أم أن الموازنات تخلق حالا مقبولة لدينا بصفتنا بشرا نفهم طبيعة الأدوار والتعايش مع الظروف المختلفة الأخرى؟ سؤال ينبغي لنا أن نقف عنده بالتحليل، وعلينا الإمعان أكثر فيما قاله قاسم، بعد صمت طويل، وعلينا أن نقف لنضع النقاط على الحروف، فواضح جدا أن لا تحفظ لدى قاسم ولا إشكال فقهي موجودا، وإنما كل ما هنالك قناعات مجتمعية موجودة لا تعطي الرجل كل الحق ولا تحرم المرأة من ممارسة حقها وإنها طبعا تحتاج منا إلى معالجة، وأزعم أن السبب الحقيقي وراء عدم نجاح حركة المرأة ليس فقط على مستوى البحرين بل العالم بأسره هو المرأة نفسها التي تحاول أن تكسب مؤيدين لقضاياها من خلال معاداة الرجل وأنها لو نجحت في كسب تأييد الرجل لكانت قد انتصرت، فهل من لحظة تدبر وتأمل؟
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1889 - الأربعاء 07 نوفمبر 2007م الموافق 26 شوال 1428هـ