العدد 1887 - الإثنين 05 نوفمبر 2007م الموافق 24 شوال 1428هـ

جمعيات خيرية لخطف الأطفال

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

يبدو أنّ «إخواننا» الأوروبيين بدأوا يسيرون على خطى أحبتنا «الأميركان» في الاهتمام الكبير بإنسان القارة السوداء، ومحاولة «تحضيره» والرقيّ به؛ ليكون في مصافهم ومتناغما مع حضارتهم التي يبشّرون بها الدنيا وكأنّها الجنة الموعودة.

الأميركان - ومع بداية تكوين دولتهم - جلبوا عشرات الآلاف من أبناء القارة السوداء في أبشع صورة عرفها التاريخ إذ مات بعضهم وقذفوا في البحار طعاما للأسماك وأمّا مَنْ بقي منهم حيّا فأخذ للعمل في مزارع السادة البيض عبدا يُباع ويشترى لا حولَ له ولا قوّة ولا يتمتع بأية حقوق حتى حقوق الحيوان حُرِم منها.

«الجمعيات الخيرية الأميركية» تجوب قارة إفريقيا وبعض الدول الفقيرة لكي تحمل لها المساعدات «الخيرية» بمقابل زهيد هو تحوّل هؤلاء للديانة المسيحية أو - على الأقل - إظهار حسن النيّة تجاه هؤلاء الذين يبشّرون بهذه الديانة وبسواها من الفصائل الأميركية!

ولأنّ الأميركان يُسارعون لفعل الخيرات ولا يحبّون أن يسبقهم أحدٌ على تلك الأفعال فقد اتهموا كلّ الجمعيات الخيرية الإسلامية بأنها جمعيات «إرهابية» وحذروا من التعامل معها، وضيّقوا - هم وأتباعهم - الخناق عليها، كلّ ذلك ؛لأنّهم لا يريدون أنْ يتقدّم عليهم أحدٌ في عمل الخير!

واليوم نرى فرنسا - بلد الحريات والديمقراطيات - تدخل هذا المضمار تساعدها إسبانيا، فرأينا أنّ جمعياتهم «الخيرية» تخطف عشرات الأطفال في أقذر عملية من نوعها - وأيضا - بحجّة تقديم العون لهم ولأسرهم وإنقاذهم مما هم فيه من مجاعة وخوف وإهمال!

يشعر الإنسان بالألم وهو يرى صور هؤلاء الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين السنتين وعشر سنوات وقد جُمعوا من هنا وهناك بحجّة إنقاذهم من مآسي الحرب مع أنّ الهدف الحقيقي شيء آخر لا يمت إلى الخير بصلة.

يشعر الإنسان بالألم والأسى وهو يستمع إلى بعض آباء هؤلاء الأطفال وهو يقول: إنه دفع بابنه لهذه الجمعية عندما قالوا له: إنّهم سيعلمونه القرآن ثم يواصل تعليمه في المدارس بعد ذلك!

لم يكن هذا الأب - ولا سواه - يعلم بالمصير الحقيقي لابنه وأنه كان سيؤخذ بعيدا إلى بلاد «الحرية والديمقراطية»؛ ليكون رقيقا، بل أسوأ من الرقيق، ولو علم بذلك لما سلّمهم صغيره، ولكنه حسن الظن بهذه الجمعيات التي تستغل حاجات الناس، وسوء أوضاعهم؛ لتستغلهم أسوأ استغلال.

قال البعض: إنّ هؤلاء الأطفال كانوا سيؤخذون للاستفادة من أعضائهم إذ تباع لمن يدفع أكثر من السادة البيض سواء أكانوا من فرنسا أو من الوافدين عليها.

وقال آخرون: إنهم كانوا سيستغلون جنسيا عندما تصبح أعمارهم مناسبة لهذا العمل، وبطبيعة الحال فهذا الاستغلال سيكون بحسب مقاييس «الجمعيات الخيرية»!

وقال آخرون: إنّ هؤلاء الأطفال كانوا سيباعون لعائلات أوروبية تتبناهم ويعيشون في كنفها وبذلك تتحسن حالاتهم ويعيشون حياة أفضل من حياتهم الحالية.

على أية حال مهما قيل عن أسباب هذه الحادثة فهي عملية اختطاف بكلّ المقاييس ولأطفال قصّر لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم ولا حتى إيضاح الحقائق للآخرين؛ ليعرفوا حقيقة ما جرى لهم.

المختطفون الآنَ أمام المحاكم التشادية، وسيقول القضاة كلمتهم في هذه المسألة، ولكن هناك أشياء كان ينبغي أنْ تقال ولكنها لم تقل.

الحكومة الفرنسية استنكرت هذا الحادث في بدايته، ولكنها عملت كلّ شيء بعد لكي يتم الإفراج عن مواطنيها ومن دون محاكمة!

صحيفة «الشرق الأوسط» وفي عددها الصادر يوم الجمعة 11يوليو/ تموز 2007م ذكرت أنّ الحكومة الفرنسية تحاول أوّلا إطلاق سراح الصحافيين الثلاثة وبعد ذلك ستحاول أخذ مواطنيها الباقين لكي تحاكمهم في فرنسا!

وواضح أنّ محاكمتهم في فرنسا تعني الإفراج عنهم مهما قيل غير ذلك، وإلاّ فما الضير في محاكمتهم في تشاد، وهي البلد الذي ارتكبوا فيه جريمتهم؟

كان المتوقع من حكومة فرنسا أنْ تقف موقفا قويا من هذه الجريمة التي طالت أطفالا أبرياء، لكنها لم تفعل ذلك؛ لأنّ أطفال القارة السوداء لا قيمة لهم، وأنّ الرجل الغربي مهما فعل فهو على حق.

وكان المتوقع من دول أوروبا أنْ تستنكر هذه الفعلة الخطيرة، وأنْ تطالب بإنزال أقصى العقوبات على مرتكبيها، لكنها لم تفعل!

أميركا - هي الأخرى - لم ترفع صوتها؛ لتنكر هذه الحادثة الإرهابية التي قام بها بعض أصدقائها، ولو فعلها آخرون لقامت قيامتهم ولم تقعد ولطالبوا بإدراجهم ضمن قوائمهم الإرهابية وإنزال أقصى العقوبات عليهم.

حادثة محاولة خطف الأطفال الأفارقة تثبت زيف الإدعاءات الغربية عن حقوق الإنسان، وأنّ هذه الحقوق لا تعنيهم في شيء إذا كانت لا تمسهم، وأنّ مقاييسهم تتخذ بحسب أهوائهم.

وهذه الحادثة أيضا تثبت أنّ الأميركان الذين ملأوا الدنيا صراخا عن الإرهاب لا يرون من هذا الإرهاب إلاّ ما يدعون أنّ المسلمين هم وراءه، ولكن إرهاب أصدقائهم أمرٌ لا يمكن النظر إليه.

الإنسان الأسود، والإنسان المسلم، له تصنيف خاص مخالف تماما عن تصنيف أبناء الغرب أو الأميركان، وهذا بطبيعة الحال جزء من الديمقراطية والحريات التي مازالوا يتحدّثون عنها، ويمنون شعوبنا بأنهم سيقفون معها حتى تحقق حريتها!

الأسوأ من هذا كلّه استعداد العقيد القذافي؛ ليتوسط في هذه المسألة القذرة!

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1887 - الإثنين 05 نوفمبر 2007م الموافق 24 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً