لقد مضى أكثر من عام على اتخاذي قرية «سار» سكنا ثانيا بعد مجتمع «جدحفص» العزيز الذي أكن له كل المودة والتقدير والحب الدائم.

وتمضي الأيام... وحبي لمجتمع سار ينمو ويكبر، واحترامي لهذا المجتمع بكل شرائحه يزداد ويتقدم. وهذا ليس مديحا عابرا، أو مجاملة تفتقد الدليل.

فالمجتمع «الساري» في معظمه مجتمع مثقف ثقافة عالية، مطلع على ما حوله محليا ودوليا، يتعاطى مع الأحداث بحكمة واتزان، متواضع إلى درجة كبيرة، شيوخه وشبابه في انسجام تام وتقدير متبادل، بعيد عن المشكلات، حتى أنني طيلة الفترة الماضية لم أشهد «هوشة» صغيرة أو كبيرة، وهذا بفضل الله دليل نضج أخلاقي وسلوكي في هذا المجتمع.

معروف عن «سار» تميزها بميزات قد لا يتميز بها غيرها من القرى، ويأتي في مقدمة هذه الميزات «مجالسها» المفتوحة دائما لروادها في أوقات مختلفة ليلا ونهارا، ومعلوم الآثار التي تنعكس من هذه المجالس واستمرارية حضورها من شد المجتمع وإكسابه تلاحما وقوة.

كما تتميز بأسلوب جديد في «إعادة العشرة» أي إحياء ذكرى عاشوراء كل ليلة في منزل، حيث يجتمع المعزون للاستماع إلى الخطيب، ثم يتناولون ما لذ وطاب من الطعام. كما يوجد في سار أكثر من مضيف يقدم خدمات الضيافة في مناسبات المواليد والوفيات، فهناك مضيف «أهل البيت» ومضيف «أبو الفضل» و»الزهراء» وغيرها تستحق يطلق عليها كلمة «مضيف».

ومن اللافت وجود مأتم واحد يجمع أهل القرية تحت قبته، وكذلك ناد واحد يقوم بأنشطة اجتماعية كثيرة ومنوعة. وبهذه الميزة استطاع المجتمع الساري المحافظة على وحدته واجتماع كلمته منذ عشرات السنين.

إن مجتمعات البحرين مطلوب منها أن تتخذ من مجتمع سار أسوة ومثلا في تلاحمه وانسجامه البارز اللامحدود، فليس عيبا أبدا أن نتعلم من بعضنا أساليب التعايش والوئام، وإنما العيب كل العيب أن نعيش الصراع والخصام، ما من شأنه أن يشتت صفوفنا ويبعثر جهودنا ويضعف من مستوى عطائنا، متخذين من قوله تعالى «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا» (آل عمران:103) مصباحا ينير لنا الطريق ويهدينا إلى الدرب الصحيح، وعندئذ يحق لنا أن نفخر بكوننا دعاة للوحدة وجمع الكلمة، والله الموفق إلى سواء السبيل.