تتشابه جماعات الإسلام السياسي العربية بسمات مشتركة، ذلك لتقارب واقعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تنشط فيه وتتفاعل كذلك في بنية مجتمعاتها وعناصر المتغيرات الخارجية التي تؤثر فيها وتتأثر بتفاعلاتها. ذلك يتبين من خلال رصد الدارسين المختصين لمسيرة تطورها ولتحليل المراقبين السياسيين والاجتماعين. يفيدنا الصحافي والكاتب الأردني «ناهض حتر» في مقال له بعنوان «الإخوان المسلمون في مملكة عبدالله الثاني- (الأخبار)19 أكتوبر 2007» بأن التيار المعتدل في «الإخوان المسلمين» يقوم بانقلاب داخلي في أوساطه ذلك بالتخلي عن شروط ضمان نزاهة الانتخابات النيابية المقبلة، ويشرح في السياق الخلفية التي أدت إلى هذا التغير من حيث بعدها التاريخي المتمثل في علاقة الإخوان التحالفية مع نظام الحكم السابق وانقضاض الحكم الحالي عليهم، فمنذ 1989 احتلت حركتهم فضاء السياسة الأردنية، من دون أن تقدم حركتهم خلال فترة قمع الحركات اليسارية والقومية والوطنية أي جهود وتضحيات، فكانت الحزب الوحيد المصرح به في ذلك الأثناء، وتمتعت برعاية خاصة من القصر وشارك أعضاؤها في الحكومات، وتولوا أرفع المناصب خصوصا في المجال التربوي، فضلا عن استيعابها للحركة الجماهيرية التي تم تطويعها من قبلهم لمنهج السياسة الخارجية الرسمية، ومساندتهم للحكم في لجم الانتفاضات الاجتماعية التي قادها اليساريون والقوميون في الريف بين العام 1996 و1998 وغيرها من التفاهمات الاستراتيجية».
المفكر «صادق جلال العظم» لا يذهب بعيدا عنه في رصده وتحليله لواقع الخطابات الإسلامية الراهنة ومدى تراجعها عن شعار إعادة الخلافة الإسلامية والتطبيق الفوري للشريعة الإسلامية، والإكثار من الحديث عن المواطنة والحكم المدني وحقوق الإنسان والحريات العامة واستقلال القضاء وفصل السلطات والمساواة بين الرجل والمرأة مع الكثير من التحفظات، وحفز الديمقراطية وتداول السلطة سلميا وانتخابا. ويخبرنا أن هذه التحولات غير جدية أو عميقة أو محسومة في بنية التيارات الإسلامية في مجتمعاتنا، أو حتى بالنسبة إلى عقليتها التقليدية المسيطرة أو إلى حقيقة برامجها السياسية أو طبيعتها النكوصية وأيديولوجيتها القروسطية بحسب تعبيره. ويظل هذا التحول كما يراه سطحيا - سريعا، تكتيكيا - مؤقتا، سياسويا - مرحليا، خطابيا - تطمينيا وتملقيا إلى أن يثبت العكس، كما يشير إلى أن من بين أبرز الأسباب الكامنة وراء هذا التغيير أو التعديل في الخطابات هو إخفاقها في تحقيق أي من أهدافها الرئيسية لاسيما هدف الاستيلاء على السلطة بالديناميت والتفجير والاغتيالات والقتل العشوائي، ورأى إن شعار»الإسلام هو الحل»، لم يجد نفعا في مصر ولا سورية والجزائر والأردن ولا حتى العراق، حيث تأجج الاقتتال الأهلي السني- الشيعي الدموي والاعتداء بالقتل والتدمير على الأديان والطوائف والمذاهب الأخرى، وثبت أن هذا الشعار لم يؤد إلى التفاف شعبي كبير أو حقيقي حول رافعيه، يضيف إلى ذلك، الحقيقة السياسية الاجتماعية التي فرضت نفسها وهي أن المجتمعات المتنوعة الديانات والطوائف والمذاهب والأعراف والعصبيات والإثنيات، لا يمكن أن تحكم إلا مدنيا، ولا يمكن للدولة أن تكون فيها إلا علمانية ولو بالحدود الدنيا، لأن أي بديل ديني أو مذهبي أو طائفي أوعصبوي أو إثني يعني المزيد من القهر والقمع والتمرد والاقتتال الداخلي والعنف المسلح والحرب الأهلية. ويختم إلى أن هذه الخطابات غير مرشحة للتجديد على يد التيار الإخواني، وهم في الحقيقة تيار مضاد للانتشار الواسع الذي حققه الإصلاح الديني الإسلامي التنويري في مرحلة عصر النهضة كما هو موجه ضد التوجهات العلمانية، إنهم ينظرون للوراء بعيون متعلقة بالماضي السحيق. هذا بالتمام ما ذكره «العظم» ردا على أسئلة الصحافي في صحيفة «الأخبار» 16 أكتوبر 2007.
جماعة الإخوان المسلمين
ولكي نلامس واقع الإسلام السياسي المحلي ومقاربته بما سبق، دعونا ننظر إليه عبر نافذة «باقر النجار» الذي فكك هذه الظاهرة لكونها مظهرا من مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية، فشخص عناصرها ووصف ارتباطاتها مع بعضها بعضا عبر مداراتها التاريخية في سياقات المتغيرات الاقتصادية والسياسية التي طرأت على بنية المجتمع المحلي وذلك من خلال إصداره الأخير «الحركات الدينية في الخليج العربي- دار الساقي 2007»، الذي لا يقل أهمية وحساسية عما سبقه من تشخيص ومقاربات، ففي فصول مكثفة منه يتناول الظاهرة من حيث استقطابها الجماهيري والقوى السياسية الفاعلة فيها، ويستعرض الإسلام السياسي السنّي وتحالفه مع السلطة ومن ثم الانقلاب عليها، وكذلك الشيعي في سياق تحولاته الراديكالية الدينية، كما يركز على القواسم المشتركة، ومواقف بعضها من ممارسة الإرهاب وغلبة الفعل السياسي في أوساطها على الدين.
«النجار» يجد أن ثمة تقاطع بين الدين والسياسة في المنطقة العربية يشكل أحد علامات العمل السياسي، وأن الدولة الأموية والعباسية منذ نشأة الدولة الإسلامية قد دشنتا لعبة توظيف الدين لخدمة السياسة والعكس صحيح، وقد استمر ذلك حتى العصر الحديث حيث وظفت الدولة الدين لتجاوز إشكالية شرعيتها. في تحليله يشير إلى أن الجمعيات الدينية شكلت مركز الثقل في العمل الأهلي والاستقطاب الجماهيري في الثمانيات والتسعينات، وهي منذ نشأتها لم تكن ذات أهداف سياسية واضحة، إلا أنها تأثرت كثيرا بخطاب جماعات الإسلام السياسي في مصر وسورية وغيرها من الدول العربية، وهي تنقسم إلى سنية وشيعية، والسنية تتمثل في حركة الإخوان المسلمين والحركة السلفية. عند تشخيصه للواقع التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين والسلف، وجد أن كل منهما تشكل تنظيما دقيقا متوغلا في أجهزة الدولة وتحديدا التعليم والقضاء والخدمات، وأن الإخوان والسلف يفتقران إلى الخطاب السياسي المتماسك والواضح فيما يتعلق بمسائل الشأن العام وقضايا الإصلاح والدمقرطة والتحديث بالمفهوم العام، كما تفتقد قياداتها الجديدة إلى الخبرة التنظيمية والتنظيرية والسمات الكاريزمية التي تبنّي مواقفها بعيدا عن مواقف الدولة أو مخالفة لها، ما أضعف من موقفها السياسي العام، وتتمثل في أوساطها العائلات التجارية من عرب الهولة وأعداد كبيرة من الطبقة الوسطى السنيّة ومن صغار التجار والفئات المهنية كالوزراء والأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات والمحاسبين وكبار موظفي الدولة والقطاع الخاص، وعند تحليله لمكونات جماعة الإخوان المسلمين لاحظ أن انتماءاتها الإثنية قد بدت في عامل النخوة في بعض الدوائر الانتخابية التي ترشح فيها عناصر من التيارين السلفي والإخواني في انتخابات 2002، فيما بدا أن العرب السنة أكثر دعما للعناصر السلفية من المرشحين للانتخابات، «... كان بارزا أن العناصر الإخوانية محفزة للنخوة الإثنية ومتكئة على القدرات المالية للمجتمع التجاري المكون معظمه من عرب الهولة»، وأشار إلى أن ما كتب عن الحركة في أدبياتها لا يشير إلى أنها لعبت دورا بارزا في الحركة السياسية المطالبة بالإصلاح والديمقراطية منذ لحظة تأسيها حتى دخولها المجلس النيابي.
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 1880 - الإثنين 29 أكتوبر 2007م الموافق 17 شوال 1428هـ