العدد 1880 - الإثنين 29 أكتوبر 2007م الموافق 17 شوال 1428هـ

كتابة التاريخ بـالـ «ريموت كنترول»!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نحن مجتمع مشروخ طائفيا... هكذا يراد لنا أن نستمر، بدليل عدم تحمّل الرقابة كتابا أكاديميا عنوانه «استعمالات الذاكرة»، كلّ جرمه أنه حاول تشخيص بعض أمراضنا المزمنة في هذا الوطن، ما يطرح على الوسط الإعلامي والفني والثقافي قضية كبرى، هي قضية المعرفة والحضارة والوجود.

المشكلة تكشف وجود جهات مازالت تعيش بعقلية محاكم التفتيش، التي كانت تخيّر المفكرين والكتاب والفلاسفة بين التخلّي عن أفكارهم، أو فرم عظامهم، فهكذا كانت السلطات الكنسية تتعامل مع أصحاب الفكر قبل دخول أوروبا عصر التنوير والإصلاح.

المفارقة أننا اليوم - وفيما نعيش عصر الانفتاح والإصلاح - يصدر قرارٌ «قرن وسطي» بمنع كتابٍ نشرت الصحافة فصوله على مدى شهور، واطلع القارئ على تاريخه الوطني من منظور ثقافي مترفّع على الطرح الطائفي السائد، ولذلك لم يعجب الكثيرين، وأساء فهمه آخرون.

ولا أبالغ إذا قلت إانه قدّم بعض المفاتيح لمعرفة بعض الألغاز التي نتورّط أحيانا في فهمها أو تفسيرها نحن الصحافيين، من قبيل الموقف من قانون أحكام الأسرة، ومشاكل الأوقاف (الجعفرية) والقضاة والموقف المتحفظ على المشاركة في المجلس الإسلامي الأعلى، وكلها مناطق تشهد احتكاكا مباشرا بين السياسي والديني.

من الناحية الثقافية، هناك أزمة في تعاملنا مع الإنتاجات الفكرية، فكتابة التاريخ ليست مزاحا أو «تصنيفة»، بل هي أصعب الأعمال الكتابية. والتاريخ له هيبته واعتباره، فلا يمكن كتابته حسب الرغبة والمزاج. فهو الذي يضمن لنا ألا نكرّر مآسي الماضي، وهو خير مدرسةٍ نتعلّم منها الدروس الكفيلة بإنقاذنا من هذا المستنقع الطائفي الذي ننغمس فيه أكثر وأكثر، ولكي لا تعود أيام السخرة واستعباد العباد واستمرار الاستئثار بالثروات العامة للبلاد.

التاريخ له هيبته، والمفروض أن تترك الحرية الكاملة في كتابته للمؤرخين المحايدين والباحثين الأكاديميين، فلا يمكن كتابة التاريخ بالأوامر، فالتاريخ الذي يكتب بالـ «ريموت كنترول» من المؤكد أنه سيكون تاريخا ميتا ومزيفا، لأنه سيفتقر حتما إلى أهم عناصر الحقيقة والحياة.

يجب ألا نعامل التاريخ الوطني بهذه الدرجة من عدم الاحترام، فالتاريخ ليس وجبة مشويات ومعجنات تطلبها من أقرب مطعم بمنطقتك، فيحضرها لك العامل الآسيوي على دراجته النارية بعد ربع ساعة. والتاريخ لا يخضع لأهوائنا وميولنا السياسية ومناوراتنا المرحلية، فنقبل منه ما نحب، وإذا لم يعجبنا سلّطنا عليه قوانين المنع المتخلفة، ولاحقناه بمقص الرقباء.

تاريخنا الوطني ليس مشرّفا ولا جميلا. تاريخٌ إقطاعيٌ بشعٌ، ترك بعض آثاره ودمامله في الأمثال الشعبية والأغاني التراثية وأهازيج الغوص التي تضج بآهات الغوّاصين والمزارعين وما تعرّضوا له من مظالم طوال قرون. وهي جوانب تناولها المسرح البحريني والأدباء وكتّاب القصة القصيرة في العقود الأخيرة في هذا البلد الحبيب.

التاريخ هو التاريخ، مهما كانت محاولات تجميله وإخفاء عيوبه، وعلينا أن نقبله بما فيه من قبح أو جمال. وإذا أردتم الخير لهذا البلد، ارفعوا وصايتكم عن أصحاب الاختصاص لينشروا كتبهم بعيدا عن قوانين القرون الوسطى، أو معاملتها كالأفيون والمخدرات. افسحوا لهم طريق التنوير، ليجد الناس طريق الخلاص من هذا المأزق الطائفي الذي يراد لهذا الجيل الانغماس فيه حتى شحمة الأذن.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1880 - الإثنين 29 أكتوبر 2007م الموافق 17 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً