بحسب تقرير التنمية البشرية 2003، يوجد أكثر من ألف مليون إنسان، يعانون من الفاقة والفقر المدقع، حيث «يعيش ما يزيد على ألف ومئتي مليون إنسان - أي نحو خمس سكّان الأرض- على أقلّ من دولار واحد في اليوم «. أما في تقرير 2006، فيذكر أن واحدا من كل ثلاثة من سكان الأرض يعيشون على أقل من دولار. وقبل أيام، سمعت في برنامج لراديو هيئة الإذاعة البريطانية، أن 800 مليون إنسان، يوميا، يأوون إلى فرشهم ويبيتون جيّاعا، وكلما طلعت الشمس، يموت أكثر من 50 ألف إنسان نتيجة الجوع. في الوقت ذاته، يعاني إنسان العالم الرأسمالي المتقدم من التخمة وأمراض السمنة، ويمارس الرياضة يوميا من أجل أن يحرق الدهون والطاقة الزائدة عن الحاجة، التي يستهلكها وهو يتمتع بالوجبات الدسمة، وبين تلكما العالمين نستذكر كلمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قائلا: « ... فما جاع فقير إلا بما متّع به غني».
التفاوت في نصيب الفرد من الدخل يصل لدرجة الفحش الشديد بين العالم المتقدم الرأسمالي، والدول النامية السائرة في فلكه، وهذا ناتج بالدرجة الأكبرعن سياسات استعمارية سابقة، قضت على النمو التلقائي البدائي لاقتصادات الدول النامية بعد أن جعلتها مرتهنة بالسوق الرأسمالية الكبيرة التي تسيطرعليها الشركات متعددة الجنسيات، وجعلتها معتمدة على إنتاج سلعة أولية واحدة، أسعارها تتحكم فيها السوق الاستهلاكية للدول المتقدمة الرأسمالية، «فما من نعمة موفورة إلا وبجانبها حق مضّيع». والفجوة ما زالت في ازدياد بين العالمين. فمنذ ثلاثة عقود حتى العام 1988، بلغت نسبة حصة الفرد من إجمالي الإنتاج الوطني بين الدول الرأسمالية الرئيسية والبلدان النامية 10 إلى1. ومع بداية السبعينات، زادت هذه النسبة إلى نحو 13 إلى 1، حتى وصلت سنة 1988إلى 14 إلى 1 تقريبا.( شتشتينين، فالنتين: النظام الاقتصادي العالمي الجديد - المؤيدون والمعارضون، ص 9 - بتصرف) ويمكن ملاحظة آثار التفاوت في شتى المجالات بين العالم المتقدم والعالم الثالث المتخلف، سواء على مستوى الدخل الفردي أو الصحة أو التعليم، ونأخذ مثلا واحدا فقط لا غير، لدولتين تتشابهان في الإسم، وتتفاوتان في كل شيء لدرجة تفوق الخيال، وهما النرويج والنيجر، فمثلا جاء في تقرير للتنمية البشرية سنة 2006، إنّ دولة من الفئة ذات التنمية البشرية المرتفعة، وهي النرويج يحظى سكانها بـ 313 طبيبا لكل مئة ألف، ونسبة من يحصلون على مياه نقية وصحية تصل لأقصاها ( أي 100في المئة)، ويصل إنفاقها على الصحة 11.3في المئة من إجمالي الناتج المحلي، أما النيجر، التي تقع في أسفل سافلين الدول ذات التنمية البشرية المنخفضة، فلديها 3 أطباء فقط لكل مئة ألف من السكان، و46في المئة من السكان لا يحظون بمياه صحية نقية، ومجمل ما تنفقه على الصحة هو 4.7في المئة من إجمالي الناتج المحلي. يبلغ نصيب الفرد النرويجي من الناتج المحلي 38.454 دولار سنويا (تعادل بالقوة الشرائية بالدولار الأميركي)، وينخفض نصيب الفرد في النيجر من الناتج المحلي الاجمالي إلى 779 دولارا سنويا فقط، بمعنى أن النسبة هي 107 إلى 1 بين الفرد في النرويج والفرد في النيجر (فقط لا غير!). وأورد تقرير 2003، أنه يرتفع معدل الوفيات في العالم الثالث، سواء وفيات الرضع أو الأطفال دون الخامسة، أو الأمهات نتيجة الحمل والولادة. فهناك 99 طفلا يموتون لكل ألف مولود في البلدان الأقل نموّا ، بينما تنخفض هذه النسبة إلى 22 رضيعا لكل ألف في البلدان المرتفعة الدخل.
التفاوت بين العالمين، لم يحدث لقلة موارد الطبيعية مقارنة مع ازدياد عدد السكان، كما تذهب لذلك بعض النظريات التي يمكن الزعم بأن الزمن قد عفا عليها، فالفقر تعاني منه أكثر الدول وفرة في مواردها الطبيعية، ولكن جزء مهم لهذا الوضع يعود لكون هذه الدول اندمجت في السوق الرأسمالية منذ عصر الاستعمار، ما أدى لحدوث اختلالات خطيرة في قدرتها على المنافسة. المشكلة ليست في الموارد الطبيعية، وإنما في الإنسان نفسه، أي في النظام الذي اخترعه البشر لتنظيم العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، النظام الذي يمكّن ثلة من المجتمع المحلي بالسيطرة التامة على الحياة الاقتصادية، ونفسه النظام إذا ساد بين دول العالم، ينتج عنه تفاوت ظالم في المجتمع الدولي، بين الدول الأكثر قدرة ومعرفة على الاستفادة من ثغرات النظام، وبين الدول الضعيفة المتخلفة، وهذا ما يجري حاليا لا غير. وما لم تتغير قواعد اللعبة، فإن النتيجة دائما تفاوت فاحش وفقر مدقع أو نسبي. إن الفقر والتفاوت الفاحش، نتيجة ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، ولا علاقة للطبيعة به، فهي تجود بأكثر مما يحتاجه البشر، ولكن المصيبة في استحواذ قلة منهم على أكثر ما تخرجه الطبيعة من ثروات.
ملاحظة: أكثر الأرقام مأخوذة من تقريري التنمية البشرية لعام 2003 والعام 2006.
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1874 - الثلثاء 23 أكتوبر 2007م الموافق 11 شوال 1428هـ