«يصطادون في الماء العكر»، ما إن تسنح لهم الفرصة حتى يبادروا بالتكشير عن أنيابهم، كاشفين عن نواياهم التي لطالما حاولوا تخبئتها خلف براقع «الوحدة الوطنية وعدم التمييز»، وأخيرا برهنوا على أنهم في سعيهم إلى «الوصول» و «الظهور» لا يمكن أن تثنيهم شيبة على حافة القبر، أو برعم في عمر الزهور!
عجيب كيف يقولبون الأمور بحسب أهوائهم، والقضايا الكبرى التي هي فعلا تمس «أمن الوطن» تصغر إلى آخر درجة؛ فقط لأنهم طرف فيها؛ أو لأن القضية تعنيهم من قريب أو بعيد، أو بالأصح؛ هي فرصة للإطاحة بغريمهم، عدوهم اللدود الخارج عن الملة. والقضايا الصغرى التي لا تعدو «لعب أطفال» تحوّر إلى قضية «أمن دولة» تستدعي إعدام لاعبيها ليكونوا عبرة لكل من تسوّل له نفسه «المساس بالوطن»، ولو كان جاهلا - أصلا - بهذا المصطلح وبما يمس الوطن!
بعضهم ذو قلم، والآخر ذو منصب، والثالث مربٍ، والرابع هو أبو المربي وأمه، وهناك خامس وسادس، وربما عددهم لا يعد ولا يحصى، اختلفوا في وسائلهم ومراتبهم، ولكنهم اتفقوا على شيء واحد «قتل الوطنية» التي يتشدقون بأنهم حاملو لوائها، ويدعون إلى غرسها في نفوس الصغير والكبير!
منذ صُغرنا ونحن «نتلذذ» بحلاوة الدولارات، ونخادع أنفسنا بالغنى الذي تشهد عليه دولارات ودنانير نكسبها عن طريق مشاركتنا في «مقامرة» بسيطة، ندفع مئة فَلس فنكسب أضعافا مضاعفة منها بمختلف العملات، محلية، عربية، أجنبية... وعلمنا للتو أننا «تلاعبنا» باقتصاد دول كثيرة، منها بحريننا، وانتهكنا حرمات دول كثيرة، ومنها بحريننا، ومسسنا بأمن دول كثيرة، ومنها بحريننا... ومازلنا نقامر و «نتلذذ»!
ننتظر المشنقة لما اقترفت يدانا من «مقامرة الطفولة» الجاهلة، فنحن «إرهابيون» منذ فطنا لأشكال الفَلس والروبية، وتلقينا الدرس أنها عملة وطنية يجب ألا نفكر حتى في رسمها بـ «خربشات» لا تمس الفن بصلة، ولا العملة الأصلية إلا باللون والرقم. نعم، نحن «إرهابيون» فأينكم عنا يا حماة حمى الوطن والمدافعون عن وحدته وترابط أناسه بمختلف طوائفهم ومللهم؟ لِم أنتم غافلون عنا حتى هذا اليوم أم أن الفرصة لم تسعفكم للقضاء علينا جميعا دفعة واحدة، فاخترتهم اغتيالنا الواحدَ تلو الآخرَ بدءا بصغيرنا إلى أن تصلوا إلى العقل المدبر وقائد عصابتنا؟
مرحى، لقد نجحتم في اصطياد صغيرتنا، أوصلتموها إلى حبل المشنقة، وانتظرتم نشوة الانتصار. رُفِعت الجلسة، بُرِّئت من انضمتْ إلى عصابتنا حديثا بفضل قضاء حكيم قادر على التمييز بين «الجد» و«اللعب»، وسكنتْ ساحات «حامي الحمى» حتى عن التبرير أو الاعتذار أو مواصلة القتال والثأر للوطن ممن «لعبوا» بكيانه و«انقلبوا» عليه وفق قناعاتهم الأولى التي دفعتهم إلى التشمير عن سواعدهم!
وها نحن مازلنا «إرهابيين»، «نتلذذ» بعملاتنا الوهمية المنتشرة في مختلف محلات اللعب و«السوبر ماركت»، نحلم متى تتحول إلى حقيقة تسعد بها جيوبنا المفتقدة الدينار في نهاية الشهر... فهل سنظل «إرهابيين» إلى الأبد أم سيقتص منا «حماة الحمى» بعد حين؟
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 1873 - الإثنين 22 أكتوبر 2007م الموافق 10 شوال 1428هـ