من بين جميع الأعمدة التي كتبتُها على مدى العامين الماضيين، كان أكثر المقالات سخونة وحدثت له أصداء واسعة ذلك الذي كتبتُه في يناير/ كانون الثاني 2006 عن احتمال وقوع الحرب العظمى (الثالثة) في العام 2007. وفي الواقع، لايزال هذا المقال يحصل على ردود على رغم مرور أكثر من عام ونصف العام عليه. كتبتُ ذلك المقال على أساس شخص في المستقبل ينظر إلى الأمور كأنها تاريخ وتخيلتُ أن الحرب قد اندلعت هذا العام، ووجهة نظري هي أن إذا كانت حرب كبرى ستندلع في العام 2007، فإن المؤرخين في المستقبل ربما سيصعب عليهم العثور على مسبباتها.
لقد تخيلت حربا بدأت العام 2007 واستمرت أربع سنوات وحددت أربعة أسباب لتلك الحرب على النحو الآتي:
1. المنافسة على احتياطات الوقود الإحفوري (النفط) في المنطقة.
2. مواجهة الضغوط الديمغرافية الناجمة من ارتفاع معدلات المواليد في المنطقة.
3. مواجهة نمو الراديكالية الإسلامية.
4. الوقوف بحزم أمام تصميم إيران على الحصول على أسلحة نووية.
تصوّرتُ أن إيران و «إسرائيل» دخلتا الحرب وأن السلاح النووي تم استخدامه في أغسطس/ آب 2007، ولعلكم قد لاحظتم أن هذا لم يحدث. ومع ذلك، إن نقطة ذكرتها هي أننا لانستطيع التنبؤ بالمستقبل، وهدفي لم يكن التنبؤ وإنما تنبيه القراء إلى خطورة التهديد الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني؛ وإقناعهم أن على الولايات المتحدة أن تفعل شيئا ما لإيقافها.
صحيح، بعد كل تلك الأخطاء في العراق، إن الأميركيين لا يتوقون إلى حرب وقائية أخرى لوقف نظام مارق آخر، ومن السهل ان نتصور الضجة الدولية التي تترتب في حال الضربات الجوية الأميركية قد بدأت على ايران، وسهل ان نتصوّر الدمار الذي يمكن أن تحدثه ردة الفعل الايراني التي ترعى الارهابيين في العراق والذين سينتقمون؛ لذلك هناك من يتحدث عن ضرورة التوصل الى حل دبلوماسي محض.
ولكن الحقيقة هي ان فرص هذه النتيجة تتضاءل بسرعة، لأن أعضاء دائمين آخرين من مجلس الامن يقفون ضد استخدام القوة ونعلم أن من دون التهديد باستخدام القوة فإنه نادرا ما تحقق الدبلوماسية شيئا.
قبل ستة أيام ذهب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى ايران والتقى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. بوتين قال إنه لا يرى «أي دليل» على أن ايران تحاول صنع اسلحة نووية. ولدى عودته إلى موسكو، أعرب صراحة عن نبذه ما أسماه «سياسة التهديدات، والعقوبات المختلفة أو سياسة القوة». رئيس الوزراء البريطاني الجديد غوردون براون - كما يبدو - أقل استعدادالدعم الأميركيين في الإجراءات الاحترازية الوقائية من سلفه، كما كان في حال العراق. الصين مازالت تمثل لغزا بشأن المسألة الإيرانية، وفرنسا نرى الرئيس الجديد يجد نفسه في أسوأ نوع من الأزمة الداخلية: الطلاق من زوجته.
على النقيض من ذلك، فإن الحليف الأكثر موثوقية لأميركا في الشرق الأوسط - «إسرائيل» - أظهر في الآونة الأخيرة السهولة الممكنة من خلال ضربة جوية متطورة لتدمير ما يشتبه في أنه «منشأة نووية»، ولم يقتصر الأمر في الشهر الماضي بالهجوم على موقع شمال شرق سورية، ولكنه نفذ من دون خسائر اسرائيلية، ولم يكن هناك أي انتقام من جانب دمشق. وهذه مذكرة من رئيس الوزراءالإسرائيلي إيهود أولمرت إلى الرئيس جورج بوش يقول فيها: «يمكنك ان تفعل هذا مع ايران زيضا، ويمكننا ان نفعل ذلك مشتركا مع الإفلات من العقاب».
مع كل يوم يمر، يجتذب بوش اهتماما أقلَّ في التغطية الاعلامية، على حين يجتذب المتنافسون على خلافته المزيد. ولكن بوش - الذي ادلى الاسبوع الماضي بملاحظاته في مؤتمر صحافي في البيت الابيض وقال: «إذا كنت مهتما بتجنب الحرب العالمية الثالثة، يجب أن أكون مهتما بمنع الإيرانيين من اقتناء المعرفة الضرورية لصنع سلاح نووي». هذا يشير - على ما يبدو - إلى أنه مستعد لاستخدام القوة العسكرية ضد ايران. أحد الخبراء البارزين بشأن الحرب النووية قال لي الأسبوع الماضي إنه لايزال يضع «احتمال توجيه ضربات جوية إلى إيران على أنها مرتفعة عن 30 في المئة».
بالنسبة إلى السياسة الداخلية الأميركية، إن التركيز عادة ينصب على متابعة شئون أسواق المال. ولكن عندما يتعلق الأمر بالاستراتيجية الكبرى فأنت بحاجة الى متابعة قوات البحرية... وعلى وجه الدقة حاملات الطائرات التي سيتم الشروع في استخدامها في حال كنات هناك ضربة جوية هجومية ضد منشآت ايران النووية.
إلى ذلك، لستَ بحاجة إلى أن تكون ماهرا جدا في التجسس، فالأسطول الاميركي ينشر المعلومات مجانا على موقع: http://www.gonavy.jp/cvlocation.htmlor . لقد نشّطت الولايات المتحدة بحريتها من خلال تفعيل11 نشاطا لحاملات الطائرات في كيتي هوك في ميناء باليابان ونيمتز وريغان في سان دييغو وواشنطن في نورفولك، ونكولن وستينيس في واشنطن، وآيزنهاور وفينسن وروزفلت وترومان يتم تجديدها وصيانتها وفحصها فى إحدى المناطق القريبة من الخليج . إن الحديث عن الحرب العالمية الثالثة مازال مجرد ثرثرة وليس استراتيجية خطيرة... ولكن حاملات الطائرات الأميركية يمكن ان تتحرك بسرعة، وهذا حقيقي. فالحاملة لنكولن تسير بسرعة تبلغ 30 عقدة (30 ميلا بحريا بالساعة الواحدة). وعليه، جنبا إلى جنب مع ترومان، وآيزنهاور ونيمتز فإنه بالإمكان التحرك بسرعة في حال اتخذ القرار، فكل شيء جاهز، وحتى الحاملات البعيدة عن الخليج لا تحتاج إلا إلى 17.5 يوما لتصل إليه وتلتحق بالأسطول الخامس.
لو كنتَ أحمدي نجاد، فهل ستقلق؟
إقرأ أيضا لـ "نيال فيرغسون"العدد 1873 - الإثنين 22 أكتوبر 2007م الموافق 10 شوال 1428هـ