صلاة عيد الفطر المبارك التي أقيمت يوم الجمعة الماضي وفقا لرأي المرجع الديني السيد محمدحسين فضل الله في نحو خمس نقاط من البحرين (الدير، داركليب، المالكية، السنابس، سترة) مثّلت تجسيدا عمليا ينادي بضرورة احترام التعدّد الاجتهادي ولو كان مخالفا لما استقرّ عند الأجيال علماء وعوامّ، فإفطار الشيخ الفلاني يوم السبت وإفطار السيد العلاني في اليوم الذي يليه كان أمرا مقبولا على مضض لكونه ضمن دائرة الاطمئنان للشهود، أمّا أن يُخالف أحدهم التوجّه العام ويكاد يفطر قبل جميع المذاهب الإسلامية اعتمادا على حسابات فلكية وأفق غير الموجود بالبلد، بل ويلزم مقلّديه باتباعه، فذلك ما لم يكن في الحسبان.
الصلاة وفق «هلال الأرجنتين» - كمّا سمّاه الزميل حيدر محمد - التي تقام للعام الثالث على التوالي اكتسبت هذا العام زخما إعلاميا لا بأس به وصل صداه إلى الصحف المحلية، بل وإلى أسماع جيران المسجد المُقامة فيه بالدعوة إلى «الصلاة، يا عباد الله الصلاة، الصلاة يرحمكم الله الصلاة». هذه الجُرأة في إقامة الصلاة أتاحت لمقلّدي السيد فضل الله الجهر بالإفطار في حدود المسجد وبين أهليهم، على رغم أن شريحة لا بأس بها منهم كانت تلجأ لـ «صيام الأطفال» المقطوع قهرا بحكم الرأي الفقهي؛ لشعورها بالحرج الاجتماعيّ.
ولئن وجد مقلّدو فضل الله أنفسهم يتنفّسون الصعداء في اليوم الذي أعلن فيه مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية السيد علي الخامنئي اعتبار يوم الخميس غرّة رمضان إذ وجدوا السند في ذلك التيار بحضوره اللافت، فإنّهم شعروا آخر الشهر بالوحدة لولا مبادرة عدد من الدول الإسلامية إلى الإفطار معهم. وكان سعيهم لإقامة صلوات العيد في المساجد أو عند البحر محاولة جادّة للخروج إلى العلن، وإعلان ثورة تنادي باحترام خصوصية رأي الفقيه ولو خالف غيره، ضمن الدائرة الاجتهادية.
تلك الخطوة الجريئة باعتماد الحسابات الفلكية وفق مبنى فقهي يقول بوحدة الأفق مضافا إلى خطوة السيد الخامنئي باعتماد العين المسلّحة مثّلتا خروجا على المألوف في العرف الفقهي الشيعي المتداول، على الأقلّ على المستوى التطبيقيّ. كما أنّهما تدعوان إلى النظر في تاريخ الفقه الشيعي الذي لم يخلُ تاريخه من طروحات جريئة، فنظرية وحدة الأفق التي يقول بها فضل الله لم تكن بِدْعا، فالمرجع الديني السيد أبوالقاسم الخوئي والشيخ يوسف البحراني يقولان بها - بحسب المشائخ - وكذلك الفاضل المولى الشيخ أحمد النراقي. ترى ألا يستحق الأمر عناء التحقيق ونشر تلك الآراء كي يتقبّل الناس الأمر بصدر رحب، وأما آن الأوان لأن نتيح المجال للتعدّدية الفقهية أن تقلّل من الحساسيات القائمة بيننا.
تلكما الخطوتان باعتماد العين المسلّحة والحسابات الفلكية - حسبما يرى كثيرون - ستكونان دافعا لكثير من الفقهاء لإعادة النظر في قضية ثبوت مطالع الشهور بالتعامل الودّي مع علم الفلك والتقدم العلمي الذي ينظر إليه دائما نظرة متشكّكة في قضية الهلال، بينما يعتمد عليه اعتمادا شبه كلّي في مواقع حياتية كثيرة ذات صلة بالشأن الديني. وفي النهاية، أعتقد أن مسألة كمسألة إثبات الهلال بالاستعانة بالحسابات الفلكية تحتاج إلى وقت، على رغم إيماني أن ثورة الهلال الفلكي ستنتصر قريبا على شرطة الرؤية المجرّدة.
العدد 1867 - الثلثاء 16 أكتوبر 2007م الموافق 04 شوال 1428هـ