العدد 1867 - الثلثاء 16 أكتوبر 2007م الموافق 04 شوال 1428هـ

وحدتنا أكبر من فرقتنا

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

أتانا العيد هذا العام والعالم الإسلامي يواجه حروبا دمويّة في بعض المناطق، وسياسيّة في مناطق أخرى.

ففي العراق، يسقط العشرات أو المئات في كلّ يومٍ بفعل قصف طائرات الاحتلال المدنيّين في شكل عشوائي، بحجّة ملاحقة الإرهابيّين، أو القصف المباشر للمنازل الآهلة من قبل جنود الاحتلال ومنظّماته وشركاته الأمنيّة.

وتمتدّ عمليّة الإبادة للعراقيّين من خلال بعض الفئات التكفيريّة القادمة من أكثر من بلدٍ، أو من البقايا المعقّدة من الجيش العراقي السابق؛ لتنطلق هذه الفئات في تفجير السيّارات المفخّخة، في الأسواق والمساجد والشوارع والمزارات الدينيّة، تنفيسا عن بعض التعقيدات المذهبيّة.

كما يواجه المواطنون عمليّات الخطف للموظّفين والمسئولين والعمّال والفقراء؛ لابتزازهم المالي أو السياسي، ويكتشف الناس جثث هؤلاء في أكثر من مكانٍ، إلى غير ذلك من الأوضاع والأساليب التي تنطلق في ردّ فعلٍ ضدّ هذه الجهة أو تلك، في عمليّة ثأر شخصيّة أو عشائريّة أو مذهبيّة.

وتتحرّك اللعبة الأميركية لتستغلّ هذا الواقع المتحرّك بالجريمة المتنوّعة، ليستفيد منها الاحتلال في إرباك الأوضاع كلّها.

كلّ ذلك، إلى جانب التعقيدات السياسية العراقيّة الداخليّة، التي تتحرّك من خلالها المواقع الحزبيّة في تعقيداتها المطلبيّة، أو الطائفيّة، أو الشخصيّة؛ لتمنع تقدّم العمليّة السياسية في العراق بما يُربك واقع الاحتلال من الناحية السياسية، كما تُربكه المقاومة من الناحية العسكريّة والأمنيّة، ولم يستطع العراق، جرّاء كلّ ذلك، أن يصل إلى حال الاستقرار السياسي الذي يُمكن أن يفتح له أفقا واسعا على الوحدة الوطنيّة، وعلى الحلّ الواقعي لمشكلاته المعقّدة.

وتمتدّ المشكلة إلى الصراع الأميركي الداخلي، بين فئات الرأي العام الأميركي، في مشروع الانسحاب من جهة، وفي تقسيم العراق من جهة ثانية؛ لأنّ التعقيد الأمني والسياسي الذي أصاب الإدارة الأميركية وبعض الأفرقاء السياسيين قد أدّى إلى دخولها في مأزق لا تعرف كيف تخرج منه، إلا على حساب المستقبل العراقي لمصلحة الاستراتيجية الأميركية.

ونرى المشكلة في أفغانستان، التي عاشت ـ ولا تزال ـ المأساة الشعبيّة من خلال الاحتلال الذي انضمّ إليه حلف شمال الأطلسي، ولكنّه لم يستطع أن يحقّق لهذا الشعب سياسة مستقرّة ولا أمنا مرتكزا إلى قاعدة، بل إنّ الفوضى الأمنيّة لا تزال تفرض نفسها على واقع هذا البلد، سواء كان ذلك في الصراع بين قوّات الاحتلال والمنظّمات الداخليّة المعارضة، أو كان ذلك بين الأفغانيّين أنفسهم في هذه المنطقة أو تلك. وقد امتدّت الأوضاع الأمنيّة الحادّة إلى باكستان، التي تتداخل فيها القبائل مع أفغانستان، وتتحرّك فيها التحدّيات السياسية، ولاسيّما تحت تأثير الضغوط الأميركية التي تفرض نفسها على الناس هنا وهناك، من خلال ما يسمّى «الحرب على الإرهاب»، ما أمّن التغطية للسلطات الباكستانية لتعتبر المعارضة في دائرة الحركة الإرهابيّة، ولا تزال المشكلة تتفاعل في أكثر من موقع.

وننتقل إلى السودان الذي يواجه الخطر الكبير من التقسيم في أراضيه، بين جنوب وشمال، وفي منطقة دارفور؛ لأنّ هذا البلد يختزن في عمقه وفي سطحه وفي امتداده الكثير من الثروات والمواقع الاستراتيجية المطلّة على إفريقيا، ولاسيّما ما يتّصل بمياه النيل التي تمثّل مطامع كيان العدوّ الإسرائيلي باعتبارها قاعدة للضغط على مصر وغيرها. أما في دارفور فلا يزال القتل يتواصل في هذه المنطقة المنكوبة، دارفور، والتي يحاول الغرب السيطرة عليها بالتدخّل في أوضاعها، بعد فشل الاتحاد الإفريقي في حلّ المشكلة الصعبة، وتنوّع المنظّمات القتاليّة في داخلها.

ويبقى الصومال، البلد الأكثر فقرا، والذي يقتل فيه الناس بعضهم بعضا، بعد أن كان تاريخه القريب تاريخ الهزيمة للقوّات الأميركية الغازية، والتي أرادت الثأر من أهله، إلى جانب السيطرة على الموقع الاستراتيجي المتميّز فيه، ولا تزال النكبة تفرض نفسها على الناس الذين دمّروا بلدهم وزادوه بؤسا وفقرا لمصلحة الاستكبار العالمي.

ونلتقي بالجزائر التي عادت إلى حركة القتل العشوائي، والمجازر الوحشيّة التي يسقط فيها المدنيّون الأبرياء، وذلك باسم الإسلام الذي شوّهوا صورته، وأسقطوا عنوانه، وحوّلوه إلى دين عنف وإرهاب في نظر خصومهم، من دون أن يحقّقوا أيّ شيء لأنفسهم وأهدافِهم الملتبسة.

ولا تزال فلسطين الجرح النازف بألف ضحيّة وضحيّة، حيث لا يزال الاحتلال اليهودي العنصري يفرض نفسه على الشعب الفلسطيني، فيقتل ويقصف ويفجّر ويذلّ ويحاصر، من دون أيّ احتجاج أو استنكار من الغرب كلّه، ومن أكثر العرب الذين يلهثون وراء السلام مع العدوّ من دون جدوى.

ولعلّ قمّة المأساة أنّ الفتنة الفلسطينية الفلسطينيّة قد أدّت إلى أن يقتل المسلم أخاه المسلم، وأن تتحرّك الفتنة في أجواء الصلاة التي باتت تتحرّك في إطار العصبيّات الحزبيّة لا من أجل التقوى العباديّة.

وفي جانب آخر، لا تزال الضغوط السياسية تتحرّك ضدّ إيران، في برنامجها النووي السلمي، في ظلّ تلويحٍ أميركي بشبح الحرب الذي يُمكن أن يدخل العالم الإسلامي في دائرة الاهتزاز المجنون على أكثر من صعيدٍ، وفي إطار عمل دؤوب من قبل الإدارة الأميركية على تعقيد علاقات الدول العربية بإيران، التي لا ترى عدوّا إلا «إسرائيل» والاحتلال الأميركي وهيمنته على كلّ دول المنطقة.

ومن جهة أخرى تستمرّ الضغوطات لمنع أيّ التقاء بين اللبنانيّين وبالتالي منع التوافق فيما بينهم، من خلال السياسة الأميركية التي تعمل على نشر الفتنة والفوضى في بلدهم، للضغط على مقاومته من جهة المطالبة بتخلّيها عن عناصر القوّة التي تتحرّك من أجل حماية لبنان كلّه، أو لتجعله قاعدة لتنفيذ ضغوطها على سورية لدفعها في اتّجاه اتخاذ مواقف تنازليّة لمصلحة التسوية مع العدوّ أو لمصلحة المشروعات الاستكباريّة التي تُحاك للمنطقة بأسرها.

إنّ عمق مشكلة العالم الإسلامي هي هذه الفوضى السياسية والأمنية التي فرضتها الإدارة الأميركية عليه وعلى شعوبه، باسم نشر الديمقراطيّة المزعومة، والحرب على الإرهاب، مستفيدة من كلّ نقاط الضعف التي يعانيها العرب والمسلمون، على الصعد السياسية والاجتماعية والثقافية والأمنية وما إلى ذلك، من دون أن يتحرّك القائمون على شئون المسلمين للدفاع عن حرّيتهم وأمنهم وكرامتهم.

أمّا المأساة الكبيرة، فهي أنّ المسلمين ـ مع كلّ ذلك ـ يقتلون المسلمين، من خلال استعادة تراكمات التاريخ التي يكفّر فيها المسلم المسلم، خلافا لقول رسول الله (ص): «كلّ المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه»، وأنّ هناك من الذين يضعون أنفسهم في مواقع الفتوى بالارتداد والشرك والكفر لأتباع هذا المذهب أو ذاك، ويحلّون دماءهم، ولا يرون أيّة حرمة حتّى للأطفال والنساء، ويعتبرون خطورة المسلمين أكثر من خطورة المستكبرين المحتلّين وغيرهم.

وقد نلاحظ هنا أنّ بعض الدول الإسلاميّة تزوّد هؤلاء القتلة من التكفيريّين بالمال والسلاح وبالإعلام الذي يحرّك المشاعر الطائفيّة والمذهبيّة، ويثير بعض المسلمين على بعض؛ لتبقى الخطّة الأميركية التي ينفّذها هؤلاء، بوعي أو من دون وعي، متحرّكة في المواقع الإسلاميّة، على امتداد العالم الإسلامي.

إنّنا أمام ذلك ندعو الأمّة الإسلامية إلى أن تعي حجم التحدّيات التي تعصف بها في هذا العصر، والتي بدا نذيرها من الاحتلال الجاثم على أكثر من بلدٍ، ومن الفوضى التي تهدد معظم البلدان الأخرى، ومن شبح التقسيم الذي يتحرّك بفعل العداوة المتأصّلة للإسلام والمسلمين، ولا ينطلق من حالةٍ سياسيّة طارئة.

وإنّنا نناشد أمّتنا الإسلاميّة أن لا تُخدع عمّا تملك من أوراق القوّة، سواء أكانت قوّة عسكريّة، رسميّة أو شعبيّة، أو قوّة اقتصاديّة، بما تملكه من ثروات ومقدّرات، أو قوّة ثقافية بما تختزنه من عقول وأدمغة وتيّارات، أو قوّة حضاريّة بما يمكن أن تنفتح عليه في إسلامها وعروبتها؛ لأنّ كلّ الفتن التي تتحرّك في داخل العالم الإسلامي، سواء أكانت مذهبيّة أم سياسيّة أم أمنيّة يُراد لها أن تُغشي أبصار المسلمين عن قضاياهم الكُبرى التي تُستلب بفعل غفلتهم عنها، وعن مستقبلهم الذي لا تحدّده إرادتهم، بل تحرّكه خطط الأعداء، وعن تاريخهم الذي يصوّرهم أمّة متأخّرة في ركب الحضارات التي كان أجدادهم أصلها.

إنّ علينا أن نعي أنّ عناصر وحدتنا هي أكبر من عناصر فرقتنا، وأنّ عناصر الوحدة هي تحوّل الاختلاف إلى تنوّع وغنى، وأنّ العصبيّة هي التي تجعل عناصر الاختلاف تأكل عناصر الوحدة، فلا نعود نرى في إسلامنا، أو في قرآننا، أو في نبيّنا، أو في قبلتنا، أو في صلاتنا وزكاتنا وصومنا وحجّنا، مظاهر تنمّي روح التلاقي والمحبّة والإلفة بين المُسلمين.

وإنّ على القائمين على شئون المسلمين العامّة أن يعوا أنّ الانخراط في معسكرات تحالفٍ خارجيّة، وإبعاد الحلول عن عناصرها الواقعيّة الداخليّة التي تنتمي إلى المجالين العربي والإسلامي، لن يصب إلا في خدمة مشروعات التقسيم والتفتيت والهيمنة والفتنة في المنطقة، والتي لن تبقى معها قوّة لدولةٍ، أو منصبٌ لحاكم، أو هيبة لكيان.

وإنّنا من خلال ذلك نؤكّد أنّ علينا أن نأخذ بأسباب القوّة، في سياستنا وأمننا واقتصادنا وثقافتنا؛ لنملك الموقع القياديّ في العالم، من موقع تأكيدنا لمعاني العزّ والكرامة والحرّية في واقعنا وحركتنا وخططنا وطموحاتنا التي نملك الكثير من مقوّمات تحقيقها.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1867 - الثلثاء 16 أكتوبر 2007م الموافق 04 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً