تحتل قضية «مكافحة الفقر» موقعا مهما في صدارة الأجندة الدولية التنموية. والذي برزت بوضوح عبر الكثير من الفعاليات والقرارات التي صدرت عن المنظمات الدولية وعلى رأسها مؤتمر كوبنهاغن الذي عقد في مارس/ آذار 1995 وعبر المؤتمرات التنموية التي تناقش تحديات «الفقر» إذ تم وضع موضوع مكافحة الفقر على رأس الأهداف التنموية للألفية.
وعلى رغم عدم وجود الفقر المدقع بمفهومه الذي يتم تداوله في الدول النامية فإن مملكة البحرين تولي هذه القضية اهتماما خاصا وذلك من منطلق حرص القيادة والحكومة بقضايا العدالة الاجتماعية ورفع مستوى معيشة المواطن.
كما تعدى هذا الاهتمام حدود المملكة إذ يتم جمع التبرعات لعدد من الدول التي تمر بأزمات وكوارث إنسانيه، وذلك من خلال اللجان الوطنية والأهلية التي تقوم بتوصيل هذه المساعدات للجهات المعنية.
كما برزت أنشطة المملكة في الارتقاء بمستوى دخول الأفراد ذوو الدخل المحدود - وخصوصا بعد إعادة تسمية وزارة التنمية الاجتماعية - من خلال تكثيف البرامج والفعاليات التي تستهدف هذه الفئات وزيادة موازنة الدعم المقدم لها، وتحقيقا لما نص عليه دستور مملكة البحرين في المادة الخامسة: «تكفل الدولة تحقيق الضمان الاجتماعي اللازم للمواطنين في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو اليتم أو الترمل أو البطالة».
وتجسيدا لذلك، انطلقت استراتيجية وزارة التنمية الاجتماعية مرتكزة على رؤية واضحة تؤكد أهمية العمل كفريق عبر الشراكة والمشاركة مع القطاعات المختلفة «الأهلي والخاص والمؤسسات والأفراد» لتنمية المجتمع البحريني وتحقيق الرفاه الاجتماعي واستدامته، وبناء على ذلك، فقد تقدمت الوزارة لمجلس الوزراء بخطة وطنية لتنمية الأسر المحتاجة والتي صدر في ضوئها في أغسطس/ آب 2005 قرار بتشكيل فريق العمل الوطني برئاسة وزيرة التنمية الاجتماعية، يضم في عضويته ممثلين عن جميع الجهات الحكومية والأهلية ذات العلاقة والجامعات ومراكز البحث العلمي لمدة ثلاث سنوات، ويتولى مسئولية البدء في إعداد وتنفيذ خطة وطنية لتنمية الأسر المحتاجة والاستفادة من الخبرات والمنظمات الدولية.
كما وضعت الوزارة عددا من المشروعات والبرامج الداعمة لقضية مكافحة الفقر إذ قامت بالاستعانة بخبرة البنك الدولي في مجال تطوير وهيكلة شبكة الأمان الاجتماعي وتطوير نظم المساعدات الاجتماعية، ووضع إطار لخط الفقر بالمملكة وتم توقيع اتفاق التعاون مع البنك في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006 يقدم من خلالها البنك، الدعم الفني للوزارة عن طريق تنفيذ برنامج يرتكز على عنصرين مهمين: الأول يهدف إلى وضع معايير توضح خط الفقر في المملكة بناء على نتائج المسح الإحصائي الذي يقوم به الجهاز المركزي للمعلومات والتي ستمثل حجر زاوية لوضع سياسات الحكومة تجاه استهداف وتنمية الفئات الأكثر احتياجاَ للدعم، والثاني يهدف إلى دراسة سبل تشجيع الأنشطة المدرة للدخل للأسر المحتاجة وتعزيز الظروف المعيشية في المناطق التي تسكنها هذه الأسر.
وعلى صعيد آخر، قامت المملكة بتهيئة البيئة القانونية لبرامج المساعدات عبر صدور قانون الضمان الاجتماعي وبدأ تطبيقه اعتبارا من يناير/ كانون الثاني 2007، إذ تم صرف مبالغ المساعدات الاجتماعية بأثر رجعي اعتبارا من شهر سبتمبر/ أيلول 2006 التي استفادت منه الفئات التي ليست لها مصدر دخل كافٍ تعتمد عليه في معيشتها والمحددة في القانون. إذ خصصت له - وبتوجيهات من جلالة الملك - موازنة تبلغ 20 مليون دينار في السنة الأولى كنواة لتأسيس صندوق الضمان الاجتماعي الشامل، منها مبلغ 8.4 ملايين دينار لصالح الضمان الاجتماعي خاصة بالمساعدات لكل الفئات.
كما قام الفريق الوطني لتنمية الأسر المحتاجة بتدشين مبادرة «إنماء» كأحد محاور الخطة الوطنية لتنمية الأسر المحتاجة لتمكين الأسر متلقية المساعدات الاجتماعية من جميع الجوانب: اقتصاديا واجتماعيا وتعليميا ومهنيا وصحيا. وتستهدف المبادرة - من خلال برنامج تجريبي - إلى إخراج 100 أسرة من دائرة المساعدات الاجتماعية كمرحلة أولى، يتم تعميمها على بقية «متلقي المساعدات الاجتماعية من الوزارة» بعد نجاح التجربة على هذه الأسر.
من ناحية أخرى، وفي إطار تنمية الأنشطة المدرة للدخل للأسر المحتاجة، فقد تم وضع والبدء في تنفيذ خطة لتطوير مشروع الأسر المنتجة، إذ تم إطلاق مشروع «المنزل المنتج» في مارس 2006 في سبيل إحداث تغير نوعي وكمي في الأنشطة الإنتاجية للأسر عبر تطوير منظومة متكاملة من الخدمات والدعم والتدريب والتمويل.
إضافة إلى ذلك، تم تدشين جائزة قرينة جلالة الملك رئيسة المجلس الأعلى للمرأة صاحبة السمو الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة لتشجيع الأسر المنتجة، إذ تم الاحتفال بتوزيع الجوائز على عدد من الأسر المنتجة الرائدة في 15 مارس 2007، الذي يصادف اليوم العربي للأسر المنتجة (المقترح من الوزارة والمقر من جامعة الدول العربية).
وفي السياق نفسه وبهدف توفير الخدمات التمويلية للفئات الأقل دخلا فقد تم البدء في خطوات إنشاء بنك الأسرة في مملكة البحرين والذي من المتوقع أن يبدأ أعماله في مطلع العام المقبل وبموازنة مبدئية تبلغ خمسة ملايين دينار.
ولا يسعنا في هذه المناسبة إلا أن نشير إلى أن الحكومة تعمل جاهدة على توسيع وترسيخ مشاركة المجتمع المدني في دعم وتنمية الفئات الفقيرة والمحتاجة وخصوصا أن المملكة لديها تاريخ حافل من العمل الأهلي المثمر عبر سنوات طويلة، إذ يعمل نحو 84 صندوقا خيريا وعدد من الجمعيات الخيرية والإسلامية في تقديم المساعدات والبرامج التي من شأنها تعزيز جهود الحكومة في رفع مستوى معيشة هذه الفئات.
وإن مملكة البحرين ليسعدها أن تشارك العالم في اليوم العالمي لمكافحة الفقر عبر تقديم نموذج متطور من التنمية الاجتماعية التي تهدف إلى رفع مستوى معيشة المواطن عبر توظيف الآليات والبرامج الإبداعية التي تتوافق مع المعايير الدولية المتفق عليها في هذا المجال، كما ويسعدنا أن نشيد بجائزة التميز للمستوطنات الحضرية التي حصل عليها رئيس الوزراء سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، من برنامج الأمم المتحدة للإسكان والتي توجت جهود المملكة في رفع مستوى معيشة المواطن وتوفير المسكن اللائق والدخل الذي يحفظ له حياة كريمة.
إقرأ أيضا لـ "فاطمة محمد"العدد 1866 - الإثنين 15 أكتوبر 2007م الموافق 03 شوال 1428هـ