يبدو أن إحداهن أرادت أن تطير إلى القمة مباشرة، فدفعت بها العجلة إلى تقديم صورة مسيئة جدا عن البحرين وبناتها في مسلسل عرضه تلفزيون البحرين.
المقطع عبارة عن فتاة بحرينية في الثامنة عشرة تراقص شابا خليجيا... هذا ما قرأته في بعض وسائل الإعلام، ويبدو أن ما نُسب إلى عضو مجلس الشورى محمد حسن رضي من أنه سيتقدم بسؤال إلى وزير الإعلام جهاد بوكمال مع بداية دور الانعقاد القادم له علاقة بالموضوع نفسه. طبيعي أن يستفز مثل هذا العمل مشاعر المواطنين، ولا يمكن تقبّل أي مبررات لمثل هذا العمل، ولا جدوى من الادعاء بهادفية مثل هذا المسلسل حتى لو حكى واقعا حقيقيا؛ إذ إن العمل الهادف يسعى إلى تصحيح الأخطاء المجتمعية والتغيير نحو الأفضل. أما تمثيل الواقع الفاسد، فلا يزيد في فساد الوضع إلا فسادا.
هل هو الذوق المتبلد الذي يجعل صاحبه لا يفرّق بين الحكاية والشعر، وبين تمثيلها وتجسيدها، أم هي العجلة في النزوع نحو القمة؟
من الصعوبة بمكان الحجز على الحكاية والشعر، وقصة زهير المزني معروفة، فقد كان هذا الصحابي الجليل هجا رسول الله (ص) قبل أن يسلم، فأهدر الرسول (ص) دمه. فأرسل إليه أخاه بُجير ينصحه بالقدوم إلى رسول الله (ص) مسلما مخلصا، والرسول (ص) لم يكن يعرفه، فألقى زهير على رسول الله (ص) قصيدته اللامية المعروفة التي قال فيها:
مهلا رسولَ الذي أعْـطَاكَ نافـلةَ... القرآنِ فيها مَواعِيظٌ وتَفْصِيلُ
وقد بدأ قصيدته يتغزل بمحبوبته التي هاجرت واسمها سعاد، ومن ضمن ما جاء فيها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول... متيم إثرها لم يفد مكبول
وقد ألقاها كما في أكثر الروايات أمام الرسول (ص) في مسجده والصحابة متحلقين حوله.
القرآن الكريم نفسه يحكي حكاية نبي الله يوسف (ع) مع زليخا زوجة عزيز مصر، ومحاولاتها فتنته وإغراءه، بل غلّقت الأبواب وهي بكامل زينتها وجمالها وطلبت منه الحرام، غير أن تلك المغريات لم تجد لها مكانا في قلب الشاب الممتلئ بعشق لطرف آخر، وحب من نوع آخر، فجلال الله تعالى قد خلع فؤاده وأعشاه عما سواه.
فرق شاسع بين أن تحكي ما جرى وبين أن تمثل هذه الحكايات وتجسدها على المسرح أو في مسلسل تلفزيوني، والأنكى حين يتم تقديم مثل ذلك العمل المزري آنف الذكر إلى الجمهور في شهر العبادة والتوبة، وإصلاح العلاقة مع الخالق عز وجل. ففي الحالة الأولى - أي في الحكاية وإلقاء الشعر - عظة وعبرة، وربما تسامح إذا كان الكلام ليس فيه فحش يزيّن الحرام ويرغّب فيه، أما محاولة التمثيل التفصيلي حتى لقصة من قصص القرآن الكريم، كقصة زوجة عزيز مصر مع نبي الله يوسف (ع) كما جاءت في القرآن - وهو القرآن وليس كلام البشر - ففيه فساد كبير بسبب ما يثيره ذلك من الغرائز البهيمية، بعدها ستكون النتيجة سلبية، على شاكلة بعض الأفلام التي تزخر من أولها إلى آخرها بالرعونة والسخف وتزيين الجريمة وإظهار المجرم كالبطل المغوار، وفي النهاية في أقل من عشر دقائق تأتي النصيحة بأن كل ما جرى في ساعتين من وقت الفيلم من إثارة وميوعة أو إجرام.. كله خاطئ إذ إن النتيجة كانت إلقاء القبض على المجرم أو... هل سيعلق شيء من هذه النصيحة في عقل المشاهد، على حين قلبه وفكره مازالا مشغولين بالحوادث المثيرة ومخيلته مطحونة في التفاصيل المثيرة التي احتواها الفيلم؟
توجد نصوص شريفة للرسول الأكرم (ص) لا يليق ذكرها في الصحافة لعامة الناس من صغير وكبير، وهي عبارة عن تعليمات للعلاقة الخاصة بين الزوجين، فهل يصح تمثيل هذه التعليمات الشريفة في مسلسل تلفزيوني باعتبارها جزءا من الثقافة الإسلامية؟
وإذا كان هذا لا يصح لكونه يجلب مفسدة أكثر منها مصلحة، فكيف بتمثيل لقطات وضيعة ومزرية لا تعبّر عن ثقافة البلد، وإنما تعكس الشاذ فقط، والشاذ - كما يُقال - لا يخرم القاعدة، فدائما ما يوجد مثل هذا الشاذ في كل المجتمعات البشرية.
المسئولية تقع على وزارة الإعلام، فأموال الدولة والشعب المرصودة لهذه الوزارة لتقديم ما يعكس حقيقة ثقافة البلد وواقعها، لا الشاذ منه والمنبوذ، وما يُعين على إفساد الأخلاق والقيم.
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1864 - السبت 13 أكتوبر 2007م الموافق 01 شوال 1428هـ