العدد 1863 - الجمعة 12 أكتوبر 2007م الموافق 30 رمضان 1428هـ

إيطاليا التنافسية

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

ما أهمية الحرية بالنسبة إلى التجارة؟ من ناحية، إن الأشخاص في البلدان الحرة أغنى بشكل واضح من الناس في الاقتصادات ذات الحريات المقيدة، كما أظهرت الدراسات المكثفة للبيانات من 141 دولة والتي أجراها معهدا فريزر الكندي وكيتو الأميركي. أردنا أن نقيس في معهد بروني ليوني في إيطاليا مدى الحرية الاقتصادية التي يتمتع بها الإيطاليون مقارنة بالأوروبيين الآخرين. وكانت النتائج مذهلة؛ إذ إن معدل حرية الاقتصاد الإيطالي يبلغ نصف الحريات الاقتصادية التي تتمتع بها معظم الدول المتحررة في أوروبا في 8 قطاعات اقتصادية رئيسية وهي: الكهرباء والغاز الطبيعي والاتصالات ونقل السكة الحديد والنقل الجوي وخدمات البريد والمهن الحرة وسوق العمل. وتتلازم هذه النتائج مع الأداء الاقتصادي المتعثر والدخل الشخصي المنخفض؛ إذ يقل الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد في إيطاليا عن معدل المنطقة الأوروبية بما يزيد على 2000 دولار.

وأظهرت دراستنا المفصلة أن القطاعين الأكثر تحررا في اقتصاد إيطاليا هما قطاع الكهرباء (بمعدل تحرر 72 في المئة مقارنة ببريطانيا) وقطاع النقل الجوي (بمعدل تحرر 66 في المئة مقارنة بإيرلندا). أما القطاعان الأقل تحررا فهما قطاع خدمات البريد (بمعدل تحرر 38 في المئة مقارنة بالسويد) وقطاع الاتصالات (بمعدل تحرر 40 في المئة مقارنة ببريطانيا). وتقع معظم القطاعات - أي خمسة من ثمانية - بين 40 في المئة و60 في لمئة؛ ما يثبت أن إيطاليا نالت بجدارة سمعتها الاقتصادية بأنها مجرد دولة شبه متحررة.

لم تركز دراستنا فقط على عدد الشركات الموجودة في قطاع ما، وإنما أيضا على إذا ما كانت الأسواق قابلة للتنافس، أي على إذا ما كان الدخول الحر إلى السوق أو الخروج منها يقيّدهما القانون. والتحدي الأساسي لتحرير السوق هو إزالة أي عوائق قانونية أو نظامية أو مالية تتعلق بدخول السوق. وبينما يمكن أن تشير ظاهرة الشركات المسيطرة على السوق أو الأرباح الفائقة انعداما في التحرر، فقد تكون أحيانا نتيجة لعملية السوق ببساطة.

فعلى سبيل المثال، ينشأ عادة احتكار مؤقت؛ لأن الابتكارات التكنولوجية أو الإدارية أو المالية أو اللوجستية أو التصنيعية لشركة ما هي التي أنشأت السوق في المقام الأول. ولا تعد حصة السوق والأرباح - التي تفوق المستوى الطبيعي - قياسات تمثيلية جيدة للتنافس. فالسوق الحرة فعلا ليست السوق التي لا يوجد فيها احتكارات على الإطلاق. بل هي السوق التي يمكن فيها التغلب على الاحتكارات بوجود عروض أكثر تنافسية. وبكلمات أخرى، ما يهم فوق كل شيء ليس المنافسين الفعليين فحسب، بل المنافسة المحتملة أيضا. ويجب أن تكون العوائق القانونية لدخول السوق - أي القيود المفروضة على المنافسة الفعلية والمحتملة - محل تركيز لأي دراسة لتحرير السوق.

لماذا يعد تحرير السوق أمرا مهما جدا. لأن الأسعار يجب أن تُحرر حتى تقوم بعملها وهو إخبار الحقيقة عن أحوال العرض والطلب. وبينما قد يكون أمرا مُسَلَّما أن التحرر يُخفض الأسعار ويحسن من حماية المستهلك، فذلك ليس الحال دائما. طبعا ثمة أمثلة كثيرة - مثل النقل العام - إذ تكون الأسعار التي تحددها الدولة أقل بشكل زائف وإذ يمكن لتحرير السوق أن يرفع من الأسعار المدفوعة مقابل الخدمات؛ لأن سعر الخدمات يعود إلى المنتفعين وليس دافعي الضرائب عموما. وتؤدي الأسعار الأعلى الجديدة إلى كفاءة أعظم وتخفض من إعادة توزيع الدخل الإكراهية. وبشكل مشابه، يمكن في الحقيقة للإفراط فيما يسمى «حماية المستهلك» أن يلحق الضرر بالمستهلكين على المدى الطويل.

لسوء الحظ، يشجع كثير من مناصري تحرير السوق، بشكل ملحوظ نخصّ القادة السياسيين في الاتحاد الأوروبي - التحرر بمفرده تقريبا من خلال الوعود بأسعار أقل. وعن طريق تشجيع وجهة نظر خاطئة عن كلٍّ من طبيعة تحرير السوق وإنجازاته المحتملة، فقد أوجد الاتحاد الأوروبي توقعات ومن ثم أحبطها. ويمكن للارتباك فيما يتعلق بأهداف التحرير أن يكون مدمرا للذات.

ويجدر النظر إلى قطاعات الاقتصاد الإيطالي إذ تقدمت عملية تحرير السوق بشكل كبير يكفي لإعطاء نتائجَ مهمة مع مرور الوقت، أي الكهرباء والنقل الجوي. وقد تم تحرير القطاع الأول في إيطاليا بعيدا عن متطلبات التعليمات الأوروبية؛ ما أدى إلى إعطاء الدولة واحدة من أكثر أسواق الكهرباء ديناميكية في أوروبا القارية. وتحديدا، فقد تبعت إيطاليا سياسة تفكيك الملكية في شبكة الكهرباء، بحيث سمحت بذلك للتنافس الحر والمنصف بين المزودين المختلفين. وتعتبر شركة «إينيل» الآن - التي تعد شركة الاحتكار السابقة في الدولة - كيانا يختلف جذريا عما كانت عليه قبل عقد من الزمن. وعلى رغم أن الحكومة تحتفظ بنحو 30 في المئة من أسهم «إينيل»، فقد أصبحت شركة كفؤة ومنافسة تعمل في الأسواق الأوروبية.

أما من ناحية أخرى، فإن النقل الجوي تنظمه التعليمات الأوروبية بشكل كبير بسبب طبيعته الخاصة. وتبيّن أن ذلك كان من حظ إيطاليا. لأنه عدا ذلك، كانت الدولة ستبقي القطاع على الأرجح مغلقا أمام المنافسة الحقيقية لحماية الناقل الوطني، «أليتاليا»، وهي شركة عليها ديون كثيرة تسيطر عليها النقابات العمالية النافذة بشكل كبير.

لقد تم إظهار تحرير السوق مرارا وتَكرارا على أنه الطريق إلى الازدهار. ولكن حتى ينجح ذلك، يجب إبلاغ الناس بالمنافع الحقيقية لاقتصاد السوق، وهو ما يعني فهم أن الأسعار الحرة لديها دور مهم في المجتمع الحر، وهو التنسيق الطوعي للتفاعل البشري. ولأجل أن يكون تحرير السوق ناجحا، يجب أن يفهم المواطنون ما هي العواقب المتوقعة. وفي ذلك الصدد، إن مناصري الأسواق الحرة والكفؤة ينتظرهم بالتأكيد عمل كثير.

*رئيس معهد برونو ليوني الإيطالي، مدير الدراسات البيئية لدى المعهد،

والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية».

www.misbahalhurriyya.org

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 1863 - الجمعة 12 أكتوبر 2007م الموافق 30 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً