أحد رجال الأعمال اتصل أخيرا وتحدث عن موقف غريب حصل له منذ ثلاثة أشهر ماضية على الأقل، إذ أشار إلى أن ثلاثة مجنسين زاروه ولا يعرف بالضبط وطنهم الأم فهم يتكلمون بلهجات غريبة عجيبة - على حد قوله - بكل لهجات العالم. الموضوع أنه كان عارضا معدات بناء للبيع وفي العادة الزبائن عندما يأتون لشراء أي شيء، الطبيعي والعادي جدا بل المألوف أن يتفاوض الزبون مع صاحب الحلال على السعر بغرض تخفيضه.
تأملوا جيدا، ما حصل كان على العكس تماما فقد عرض عليه مبالغَ خيالية تصل إلى الضعف؛ بغرض إقناعه بالبيع والاستفادة من المعدات المطروحة. الأخ طبعا لم يتفق معهم على رغم أنهم ما قصروا عرضوا عليه مبالغَ مغرية إلا أنه لم يكن مرتاحا أو مقتنعا من عملية البيع بل شعر بالضيق والضجر وتأثر نفسيا.
شعر حينها بأن هؤلاء يرغبون في أخذ حلاله وكده وتعبه، فاتصل يبحث عن تفسير أو تحليل لما حصل. الأخ الكريم خانه تذكر «التقرير المثير للجدل» الذي كان يشير إلى جملة من الأمور التي ربما على رأسها التهميش والإقصاء لطائفة كبيرة في البلد ولكن القرار القضائي جاء في وقت غير مناسب فلم يستطع لا الإعلام ولا غيره من وسائل وأساليب القيام بواجبه ودوره بهدف توعية الناس، وإلا فإن الجواب واضح مثل الشمس، هؤلاء لم يأتوا إلى البحرين زائرين، أبدا بل جاءوا مقيمين مستوطنين وبالتالي يريدون أن يستولوا على كل شيء في البحرين.
ما يحدث حاليا استعمار من نوع آخر ليس عسكريا ولكنه فكري اجتماعي ثقافي اقتصادي... إلخ ويريدون أن يكون لهم شأن في المجتمع البحريني ويرغبون في السيطرة على عصب الحياة في البلد. طبعا ليس اللوم يقع عليهم فهم قد وعدوا بالحصول على أشياءَ كثيرة وما يفعلونه حاليا مسألة الايفاء بالوعد، فلم يأتوا ليكونوا موظفين لدى البحرينيين فمكاتب الأيدي العاملة كفيلة باستقدام مثل هؤلاء وتقوم بدورها وواجبها على أتم وجه، وإنما جاءوا ليكونوا مواطنين وأصحاب مراكز اجتماعية واقتصادية.
لا أتصور أننا ربما سنتجرأ مرة في رفضهم أو الاستياء منهم لو كانوا فعلا يمتازون بمستوى علمي راقٍ أو أكاديمي بل لكنا قد رضينا واستفدنا منهم كثيرا، ولكن المؤسف أنهم جاءوا إلى بحريننا الغالية معدمين مفلسين وسيصبح لهم شأن عظيم «ويا غافلين ليكم الله». إذا أردنا فقط أن نتنبأ بمستقبل المواطن البحريني على المدى البعيد فستكون المحصلة النهائية الانقراض في يوم من الأيام.
وعلى البقية أن تلتفت لمثل تلك الحركات فالمال لا يغير كثيرا والأهم من كل ذلك الهوية البحرينية يجب أن تصان وأظن أن ضرورة المحافظة على الهوية الوطنية واجب وطني، فلا نغفل عنه ولا يكون همنا الأول والأخير البحث عن المادة ومن هذا المنطلق لابد من تأكيد ضرورة الوعي ثم الوعي وأراهن أن سلاحنا الوحيد الذي يجب أن نتسلح به - ربما - لمواجهة هذه الأزمة التي تعصف بنا ماثلٌ في الوعي.
لم يتبقَ أمامنا سوى أن نصفق عاليا لكل الوزارات التي تقدم المجنسين وتأخر الخدمات المقدمة إلى المواطن الأصيل ابن البلد، فوزارة «الإسكان» ووزارة الصحة إلى وزارة «التربية» أبلت بلاء حسنا في ذلك، ولا ننسَ وزارتي الدفاع والداخلية فقد ساهمتا في توفير نصيب الأسد من الخدمات لهم بل أفاضت في العطاء إلى درجة أن البحريني لم يكن له نصيب يذكر مما تفضلت به عليهم بل لقد أجزلت العطاء لهم ولأسرهم فالبحريني يحلم بالحصول على العلاج المجاني في المستشفى العسكري كغيره وعليه أن يبقى في قوائم الانتظار ويدفع من جيبه الشيء الفلاني نظير الخدمات المقدمة إليه.
بعد كل العناء والشعور بالغصة، على المواطن البحريني أن يطلب من ربه ليل نهار أن يكون صبورا وأن يكون قنوعا وأن يقنع بما لديه وألا يتبطر، وألا ينظر إلى الأمام بل لا ينظر إلى الأعلى أبدا وعليه دائما أن ينظر إلى الأسفل وإلى الوراء.
وعلى الدنيا بعدها السلام، الموضوع جِدُّ معقد والمشهد مشوش ولا يمكن قراءته إلا بهذه النفسية وبهذه الصورة التشاؤمية؛ لأنه لا شيء يدعو إلى التفاؤل والانشراح، ففي كل مرة أتكلم فيها عن التجنيس أفتح جرحا لا يندمل أبدا وما أكثر الجروح إذا ما تحدثنا عن التجنيس، فلم نسمع في يوم من الأيام أنه كان هناك مجنس حصل على الجنسية واسترجعت جنسيته ولا يوجد في الأفق ما يدعو إلى ذلك لكان ومن ذلك طبعا ما حصل ويحصل وسيحصل من قضايا لمجنسين سمعنا وقرأنا عنها في البحرين.
عموما القادم أسوأ مما نظن ونعتقد، ليست لدينا أية حجج مقنعة تضغط علينا لنتجه إلى التجنيس في بلد يعج بالكثير من المشكلات وليس لدينا القدرة الفعلية على التعاطي معها أو حلها لكون أبرز أسبابها قلة الفرص المتاحة كالبطالة على سبيل المثال إلى جانب مشكلات اجتماعية أخرى تتعلق بالسكن وغيرها من أمور، في بلد نفطي يعاني سكانه ضعفَ المستوى المعيشي.
كان حريا بالحكومة أن تساهم في توفير أسباب الرفاة الاقتصادية للمواطن بدلا من الاتجاه إلى التجنيس لأغراض سياسية بحتة، وبالتالي تحويلهم إلى عالات على المجتمع، وتسببهم في الكثير من المشكلات الاجتماعية ونقف نحن موقف المتفرج.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1861 - الأربعاء 10 أكتوبر 2007م الموافق 28 رمضان 1428هـ