إن للدولة سياساتها، ترسمها كما تشاء لا شريك لها فيما تقر وتذهب. وإن لسياساتها حكمة لا يسألها عنها أحد. ولسياستها وحِكَمِهَا المستترة على ضعاف الفهم والتقدير توابع، ولا يجوز للدولة نفسها، أن تسأل التوابع فيما تابعت بعد أن تفهم «السلوك» لا «التعليل»، فحكمة الدولة «سر» يقتضيه وجودها أصلا. بهذه الكلمات تتلخص سياسات الدولة في الواقع المعاش، وتُفهم حاكمية تاريخية سياساتها وإجراءاتها التي تتحول من مجرد «سياسات» لتقاليد مجتمعية قارة، ثابتة، لا تتحرك، ولا تتغير.
هنا، وفي ضوء سياسات الدولة وحكمها، لم يكن المواطنون من اختاروا تقسيم مقاعد الوزارة وتدويرها بين هذه الفئة أو تلك، بهذا العدد أو ذاك، لكنهم استقبلوا «القسمة» فرضوا بها اقتناعا أو قسرا، لا فرق. لتلك الفئة وزارة، وللأخرى وزارة.
وهنا أيضا، لم يكن المواطن البسيط مسئولا في أن يفهم تخصيص طموحاته الزظيفية في وظائف من دون أخرى، فلم يكن هو نفسه المسئول عن تقسيم مقاعد الموظفين على هذه الطائفة أو تلك، أوعلى ذلك العرق من دون الأعراق الأخرى.
أن نسهب في انتقاد منشأ التقسيم وأهدافه وتبعاته، هو إسهاب لا طائل منه، فكما ذكرت أعلاه، تبقى السياسات والحكم المستترة من ورائها عصية على الفهم، أو هي مفهومة لأسباب البعض منها يحمل من «الوجاهة» و«حسن التقدير» الكثير، والبعض منها وليد «مزاجية» ما.
الذي لا بد من الإشارة إليه، هي حال توابع السياسات (المواطنون)، وهي العادة في التلقي للسياسات وفهمها ولو على المستوى القصير من الفهم. حين تعمد الدولة لانتهاج سياسة ما أو سلوك محدد، فهي ترسل عبر تلك السياسة وذلك السلوك رسائل خاصة للمجتمع، وعلى المجتمع أن يفهم تلك الرسائل وأن يتعامل معها بما يشمل أن يكون تابعا لها، ومتأثرا منها. ولا يجوز للدولة أن «تدعي» معنى آخر خلاف ذلك المعنى الذي تَشَكل لدى التوابع (المواطنون)، فحين يفهم الناس خلاف ما كانت تسعى «الدولة» أن يفهموه، فهو خطأ من أرسل الرسالة لا خطأ من قرأها او فهمها أبدا.
خطورة الموقف، ومنذ أيام مضت، هو أن إخلالا ما - إن لم تكن سياسة جديدة تستحق فهما جديدا - قد طرأ على ما تعود عليه الناس. وهذا الإخلال وإن كان يبدو في صورته الخارجية طائفيا صرفا إلا أنه في حقيقته هو إخلالٌ بما تقتضيه ثنائية سياسة الدولة وفهم التابع، وهو ما يجعله يجتاز ضيق الرؤية الطائفية لفضاء آخر، عواقبه أشد، وفهمه في مراحل متقدمة أخطر.
يمكن أن يتم فهم الخروج عن قواعد التقسيم الاجتماعي لأي مؤسسة كبرى - الدولة نفسها من أقرت بالتقسيم ونسبته - من مؤسسات الدولة على نية حسنة، باعتبارها «فلتة»، ويمكن أن يتم فهمه في سياق آخر، وهو ما يخشاه البعض طائفيا أو وطنيا.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1860 - الثلثاء 09 أكتوبر 2007م الموافق 27 رمضان 1428هـ