الحب المتحرك حيٌ واع، يبث الحياة فيمن حوله، يمتلك آليات بها يستطيع أن يتفاعل مع محيطه، ووسائل جذب لا تسمح للأرواح أن ترتمي بعيدا عنه، لأن تلك الأرواح تجد فيه أنسها ومتعتها ورضاها.
في الحب المتحرك تنمو العلاقة بين الزوجين وبين أبنائهم بطريقة مذهلة، ويلتفت الجميع على بعضهم بأحسن ما يكون الالتفاف، فهو حب مسئول يعي أن عليه واجبات ومسئوليات ومهام لا بد وأن تنجز وتؤدى وتتقن.
وقد سميته متحركا لأنه ليس متبلدا ولا ميتا ولا خامدا، بل يعبر عن نفسه في رومانسية إنسانية ساحرة، تحيل الرتابة القاتلة إلى جديد وقاد، والملل والسأم إلى حيوية ونشاط، والبعد والانزواء إلى قرب أدناه أن تقرأ الأجساد لغة بعضها، وتعبر العيون عن كل ما في القلب من مخزون هائل من الحب والمودة والرحمة للطرف الآخر في وضوح تام يمتنع عادة أن لا يفهم أو لا يفقه أو لا ينكشف.
مساكين هم الأزواج المحبون حبا جامدا متحجرا، وجوده وعدمه سواء عند الطرف الآخر، مساكين ربما لأنهم لم يتعودوا التعبير عن مشاعرهم، والبوح بما في صدروهم، إما أنفة وتعاليا من نفوسهم - الرجال خصوصا - وإما لاستتفاه هذه التعابير جملة وتفصيلا، وإما لأنهم الشريك اللغز الذي يطلب من زوجه وشريك حياته أن يكتشفه ويعلم أنه يحبه، من دون أن يعبر هو عن نفسه.
قساوة داخلية، وتصحر في المشاعر، وثقافة ملأناها عيبا وخجلا، فأصبحنا كما نحن مجتمع تكثر فيه بيوت الحب الميت، الذي كلما سعت الزوجات لاستنطاقه أجابها:
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
أي ثقافة تلك التي ارتضعناها وتربينا عليها، وحشونا بها عقولنا، ثم قبلناها مخزونا في ذاكرتنا، وإذا بها تجعلنا في بعد لا يسع الواحد منا أن يقترب من إنسانيته بعفوية ليعبر عما يختلج فيها لزوجه وأولاده، فأصبحت غالبية حالات الطلاق التي تصل إلى المحاكم سببها الأساسي هو عدم الرضا والشعور بالإحباط، لان أحد الطرفين أو كلاهما متدمر من بلادة المشاعر في الطرف الآخر.
والأكثر مسكنة من الذي لا يعبر عن مشاعره أولئك الذين يعبرون عن مشاعرهم بهستيريا يصعب عادة أن تصدق، سأنقل هنا شيئا كان حقه أن يكون تحت عنوان (صدق أو لا تصدق) وأن يقرأ للتسلية والضحك والدعابة، لكنه للأسف قصة حقيقية ذات تفاصيل محزنة بطلها (المحب) أجاد التعبير عن أحاسيسه ولكن بصورة سلبية ومزعجة للغاية.
ينقل لي أحد المشايخ الذين يمارسون بوعي وإدراك مهمة الإصلاح والصلح في الأسر التي تجتاحها أعاصير التفكك والضياع، يقول (هذا الشيخ): كان لي صديق عزيز مؤمن متدين طاهر، وكنت أشجعه على الزواج وأشوّقه له، ولا أكاد أراه حتى أتحفه بأقوال الرسول (صلى الله عليه واله وصحبه وسلم) في أمر الزواج وفضله، يقول الشيخ: استطعت إقناع الشاب بالزواج، وانتقل إلى بيت الزوجية بعد عام كامل من الخطوبة (العقد)، وبعفوية متناهية تلقيت منه اتصالا يطلب مني الدعاء لشفاء مريضة، ويخبرني أن عنده مبلغا من المال هو صدقة من أجل شفاء هذه المريضة، مرت الأيام فسألته عن تلك المريضة التي لا أعرفها، فأجابني أنها بخير والحمد لله، ثم لم يمض يومان حتى اتصل بشأن الموضوع نفسه، يطلب الدعاء لمريضة وبين يديه مبلغ من المال كصدقة من أجل شفائها، وكذا بعد أيام اتصل بي والموضوع هو الموضوع من دون تغيير أو تبديل. يقول الشيخ: طلبت هذا الشاب الصديق وكنت ملحا عليه أن يخبرني من هي هذه المريضة؟ فقال هي زوجتي، قلت ما بها؟ قال: إني أحبها وأخاف عليها، قلت له هذا أمر طيب، ولكن ما علاقة ذلك باتصالاتك الهاتفية لي بشأن مريضة وصدقة إلى آخره، فأعاد عليّ أنا أحبها يا شيخ ولا أتمنى أن تصاب بسوء، لقد حاولت مرة النزول من السيارة بعد أن أوصلتها إلى المكان الذي تريده وكانت في المقعد الخلفي بسبب أغراض كانت عندي في المقعد الأمامي، ففتحت الباب الأيسر، بينما كان الشارع متحركا بالسيارات، وكنت أخبرتها من قبل بخطر ذلك عليها، فطلبت منها العودة إلى السيارة، وإغلاق الباب، ثم أدرت جسمي نحوها ورحت أضربها حتى تأثر وجهها، ومن أجل ذلك اتصلت بك وطلبت منك الدعاء وأخبرتك بالصدقة، ومرة ضربتها لطريقتها في إشعال موقد الغاز، وثالثة بسبب سرعة مشيها وحركتها، إذا بدأت في غسل المطبخ، حيث تكون الأرض مليئة بالماء ما يهددها بالسقوط.
السؤال: أين يمكننا أن نتعلم التعبير عن الإيجابي عن مشاعرنا الطيبة، وعن حبنا لأزواجنا وقرة أعيننا؟
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 1858 - الأحد 07 أكتوبر 2007م الموافق 25 رمضان 1428هـ