«نحن» و«هم»! ببساطة... ضميران منفصلان، لكنهما يغوصان إلى أعماق النفوس ويعززان الشعور بالانتماء إلى طرف بوجه طرف آخر. وبما أننا نعشق استخدامهما في خطبنا وإعلامنا، من أجل إبراز صورتهم المشوَهة ومقارنتها بصورتنا الجميلة، فإن الهوَة بيننا وبينهم آخذة بالاتساع. وبما أن أسلوبنا الاختزالي في التحدّث لم يعد يخفى على أحد، حيث اعتدنا أن نعبّر عن الملايين منّا بكلمة «نحن»، فتاريخنا عظيم وتاريخهم أسود. وهل من إنسان عاقل لا يشكّك بهذا اللامنطق؟! وهل يخلو تاريخ معظم دول العالم من أنظمة حكم جائرة؟
ولو تساءلنا: «من هم؟»، ومن يشغل بالنا نحن العرب في هذا الزمان وهذا العصر؟، من يهدّد ثقافتنا وحتى وجودنا؟ لأجبنا، وبأعداد كبيرة منا: إنهم «هم» الأميركيون، مغتصبو أراضينا في العراق وفلسطين، وسبب الحروب في المنطقة والاقتتال في لبنان، إضافة إلى التوتر وعدم الاطمئنان في سورية. «هم» الذين بنيت دولتهم على أنقاض وجثث الهنود الحمر سكان البلاد الأصليين. ولا خلاف هنا سوى خطأ بسيط في التعبير: فـ «هم» أعدادهم بالملايين، ومن اقترف الجرائم معدودون.
لقد وصف «ادوارد سعيد» هذه الصورة بالتعميمات الفضفاضة في كتابه «صور المثقف»، مع التركيز على تحول المثقفين إلى جوقة تردد الرأي السائد كالصدى وإلى مزيد من الشعور اللاعقلي بأننا «نحن» مهدّدون من جانبهم «هم»، والنتيجة؟... تعصّب وخوف بدل المعرفة والمشاركة.
وما يحدث اليوم في العالم خير دليل على هذا التوجّه، لدينا ولديهم، نحو مزيد من التصادم والتضارب.
فلو نظرنا إلى خيارات «بوش» أو «جورج واشنطن»، الذي لقبّه هنود السينيكا باسم «هدّام المدن»، أو غيرهما ممّن أساءوا للتاريخ الأميركي، أو نظرنا إلى «عراق صدّام» وغيره من الرؤساء العرب (مع التحفظ على ذكر الأسماء) ذوي القرارات الخاطئة، فهل نرضى بأن يشوّه شخص الرئيس تاريخ أمة بأكملها؟!
يحقّ لنا أن نتخوّف ونشكّك بنوايا حكوماتهم الحالية وأن نتوّقع ضربات أكثر إيلاما ممّا عهدنا، ويحقّ لنا أن نكتب عن تجاوزاتهم ومخططاتهم، وخصوصا أميركا اليوم بزعامة بوش الذي ربما يهدف في تعامله أو تعاطيه معنا كعرب، إلى إبادة ثقافتنا وحضارتنا بالغزو الإعلامي، وبأساليب متنوّعة أكثر «حضارة» من وسائل من سبقه أمثال» وليم هاريسون» و»جورج واشنطن» و»توماس جفرسون»، الذين أبادوا 18،5 مليون هندي بحروب جرثومية كالجدري والطاعون والحصبة وغيرها.
ولانستطيع أن نتجاهل أو أن ننسى منطق فرانسيس ياركين، أحد أشهر مؤرخي أميركا، الذي قال إن الهندي نفسه في الواقع هو المسئول عن الدمار الذي لحق به لأنّه لم يتعلّم الحضارة ولا بدّ له من أن يزول!
كما ويحقُ لنا اتهام بوش بإعادة صوغ هذه العبارة التاريخية مع تعديل بسيط لتحلّ كلمة العربي مكان الهندي!... واجبنا أن نتوخى الحذر من بعض رؤسائهم وفي فترات زمنية معيّنة، ولكنّنا نبالغ حين نقول «هم». ونجور حين لا نقول بأن الكثير منهم قدّم خدمات للإنسانية. فلا يمكن أن نتجاهل أن الولايات المتحدة الأميركية مثّلت في الحرب العالمية الثانية دور المخلص موفرة الملاذ لجيل كامل من المتبحرين في العلم والفنانين والعلماء الذين فرّوا من الفاشية الغربية إلى الولاية الأم. نحن نغضب ونثور ونرفض زجّنا في دائرة مغلقة، وفي المقابل، وبمعظمنا، نضعهم في إطار عنصري واحد ولا نميَز بينهم. كما نصرَ على أنهم «هم» المجرمون «ونحن» الشرفاء!
«نحن» نتعاطى ازدواجية المنطق، فنحلَل لأنفسنا ما نحرَمه عليهم. فإلى متى نستمر باستخدام «نحن» و»هم»؟ وهل تعجز لغتنا العربية ومثقفونا عن إيجاد كلمات بديلة تبني جسور تواصل ثقافي؟ أم باتت خياراتنا في التعبير مهدَدة ومحصورة في خدمة الحكم الحالي؟ وإلى متى تنتقى لنا العبارات الصالحة للتداول ونسمح بتشويه لغتنا العربية وتاريخ أمم باختصارهم بضميرين منفصلين؟!
إقرأ أيضا لـ "كاتيا يوسف"العدد 1858 - الأحد 07 أكتوبر 2007م الموافق 25 رمضان 1428هـ