بعد كلّ إنجاز رياضي تحققه الرياضة البحرينية وبعد كلّ فشل أو تخبط إداري أو فني، أسأل نفسي « إلى أين تسيررياضتنا البحرينية ، فهل هي في طريق الصح أو الخطأ، ومَنْ يحكم على أنها على صواب 100 في المئة. هل هي النتائج التي تتحقق على شكل طفرات بين فترة وأخرى بفضل - أوّلا - عطاء الإنسان البحريني المخلص القادر على العطاء في أحلك الظروف مثل نتائج أبطال بناء الأجسام على المستوى الآسيوي والعالمي، وهل من حقنا أنْ نتفاخر بإنجاز المجنسين في ألعاب القوى وهم الذين لم تطأ أقدامهم أرض البحرين، وإنْ فعلوا ذلك فهو من أجل در الرماد في العيون؟».
- قبل أنْ أتسرّع في اتخاذ القرار أدعو القارئ الكريم أنْ يتأمل معي في مسيرة الرياضة البحرينية التي سبقت الأشقاء في مجلس التعاون بعشرات السنين وهذا الأمر لم يتحقق صدفة بل راجع إلى مدى ما كان يتحلّى به مَنْ سبقونا من علم وثقافة ووعي أهلّهم ؛لأن يكونوا الأوّل والأفضل بين أقرانهم. ولكن ما حدث بعد ذلك جعل أقراننا يتفوقون علينا وتراجعنا نحن إلى الخلف ليس في الرياضة فحسب بل في الحقول كلها مما يؤسف له- حقا - بعد أنْ كان الإنسان البحريني عملة صعبة يتهافت على اقتنائها دول الخليج العربية أصبح بقدرة قادر «هنود الخليج!».
- التاريخ يقول إنّ الرياضة بدأت في البحرين مع بداية التعليم المدرسي العام 1925 إلاّ أنّ الرياضة الأهلية عرفت بشكل رسمي في الأربعينات قبل إشهار الاتحاد الرياضي العام 1957 الذي كان يشرف على مسابقات كرة القدم في المقام الأوّل بالإضافة إلى الإشراف على مسابقات الكرة الطائرة والسلة واليد، ويعود الفضل إليه في تطور هذه الألعاب وفي هذه العجالة نذكر أنّ اتحاد السيارات أشهر في البحرين العام 1952 لذلك نفخر بأنْ نكون موطن رياضة السيارات في الشرق الأوسط!
- وبسبب الاهتمام المتزايد للرياضة في البحرين آنذاك خطت حكومة البحرين خطوة رسمية في تأسيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة العام 1975 برئاسة ولي العهد «في ذلك الوقت» الملك حمد بن عيسى وفي ضوء ذلك تشكّلت الأمانة العامّة للمجلس الأعلى العام 1975 والتي أصبحت من بعد المؤسسة العامّة للشباب والرياضة العام 1983 وكان الهدف من تشكيلها في البداية أنْ تكون الجهاز التنفيذي الذي ينفذ أفكار وخطط المجلس الأعلى إلا أنّ هذا التفكير السليم تلاشى تدريجيا وأصبح المجلس الأعلى صورة شكلية؛ لأنه لا يملك أمانة عامّة تتابع تنفيذ أفكاره ويقرّ الصح من الخطأ وأصبحت المؤسسة العامّة هي الجهة الحكومية المهيمنة على الرياضة، علما أننا في البحرين ارتضينا منذ البداية أن تكون اللجنة الأولمبية البحرينية التي تأسست العام 1979 مجرد صورة شكلية لا يوجد فيها جهاز تنفيذي أو لجنة تخطيط أو ما شابه ذلك!
- ومند تأسيس المؤسسة العامّة للشباب والرياضة تعاقب على رئاستها ثلاثة وزراء كانت الفترة الأولى - من 75 إلى 88 - هي الأخصب والأكثر عطاء؛ لأنّ جميع المنشآت الرياضية الموجودة حاليا شيّدت في تلك الفترة، أمّا الفترة الثانية - من 88 إلى 98 - فقد كانت الأقل عطاء لم تستطع أنْ تترجم الأفكار إلى واقع ملموس بسبب شحة الموارد المالية، إذ كانت الموازنة المخصصة للمؤسسة العامّة لا تتعدى الخمسة ملايين دينار تصرف على الرواتب ومخصصات الاتحادات والأندية - كما ذكر ذلك رئيس المؤسسة آنذاك - أمّا فترة الرئاسة الحالية فقد شهدت تحقيق الكثير من الإنجازات الرياضية في مختلف الألعاب الرياضية أبرزها الإنجازات في الألعاب الفردية وكرة القدم على الصعيدين القاري والدولي، أمّا بقية الألعاب فإنّ نتائجها لا تتعدى المحيط العربي. والوزير الحالي حينما تبوأ رئاسة المؤسسة العامّة العام 2000 وضع استراتيجية لتطوير الرياضة خلال الخمس سنوات - مازلت احتفظ بنسخة منها - للأسف صادقَ عليها المجلس الأعلى للشباب ولكن تجاهلتها الحكومة ولم تدعمها لذلك لم تنفذ ولم يرَ غالبية مشاريعها النور رغم مرور7 سنوات. ومن هنا نستطيع الجزم على أنّ المشكلة الرئيسية لأسباب تراجع الرياضة البحرينية هو الحكومة التي لم توفر الموازنة الخاصة بتنفيذ المشروعات الرياضية التي من أهمها الأندية النموذجية والملاعب والصالات والمراكز التي تمثل البنية التحتية التي ينطلق منها أيّ تطور رياضي!
- وعلى رغم هذا التبرير يفلج صدر المسئولين عن الرياضة حينما نقول إنّ سبب تخلفنا الرياضي الدعم الحكومي وهو الأمر الصحيح ؛لأننا لا نعيش في أوروبا أو الولايات المتحدة ؛لأنّ مَنْ يصرف هناك على الرياضة ليست هي بالدرجة الأولى الحكومة! وعلى رغم ذلك فإننا لا نعفي المسئولين الذين تواردوا على المؤسسة من مهمة الفشل أو التراجع. فهل يعقل أننا في البحرين لا يوجد لدينا جهاز يخطط ويقوّم كلّ عمل رياضي سواء أكان فاشلا أم ناجحا , و بعد مرور أكثر من 50 عاما على بدء الرياضة الأهلية وأكثر من 30 عاما على تأسيس أوّل جهاز حكومي رياضي، ومازلنا نعيش على «البركة والفبركة ومشي حالك!».
- والرياضة البحرينية على رغم التخبّطات التي واجهتها من جهة وضعف الموازنة من جهة أخرى ودخول عناصر مستصلحة لا دخل لها بالرياضة من جهة ثالثة... إلا أننا - كبحرينيين - كنّا نصارع الزمن من أجل التفوّق على أشقائنا في دول التعاون على رغم فارق الإمكانات المادية والفنية المتوافرة لديهم، وهذا ما جعلنا نتفاخر بذاتنا الرياضية، إلاّ أنّ الفترة الحالية شهدت وبالا خطيرا اسمه التجنيس الرياضي مَنْ يفهمه يعي جيّدا أنّ الهدف منه قتل الروح الرياضية العالية التي يتحلّى بها الإنسان البحريني وهو عنوان للتخبّط الرياضي، ومَنْ لا يفهمه يعتقد أنّ الهدف منه الوصول إلى العالمية في أسرع وقت ممكن, ومن بين هذا القول وذاك تحدث تخبّطات كثيرة في ظاهرها أوّلا النوم الأبدي للجمعيات العمومية في تناقض واضح وصارخ إلى توجيهات سمو ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد المطالب بتفعيل دور الجمعيات العمومية، وفي باطنها - ثانيا - إساءة بالغة لاسم البحرين ولنا جميعا حينما نستجدي المجنسين من أجل تمثيل منتخبنا الكروي... وما يحزّ في النفس أكثر نجد من بيننا مَنْ يطبّل له، إلا أننا نعود إلى سؤالنا الأوّل ونقول: «بعد 50 عاما رياضتنا إلى وين؟».
إقرأ أيضا لـ "عباس العالي"العدد 1857 - السبت 06 أكتوبر 2007م الموافق 24 رمضان 1428هـ